الذكريات الأليمة ومشاعر الخوف تسيطر على أهالي بغداد
تسير سعاد أمير (54 عاماً) قرب ساحة الطيران، بعد مرور يوم على الهجوم الانتحاري المزدوج، وتدرك تماماً معنى الفاجعة، في طريقها لإيصال التعازي لأهالي الضحايا.
وفقدت سعاد ابنها الوحيد قبل خمس سنوات في تفجير إرهابي أيضاً، وتكرر بينها وبين نفسها كلما تذكرت حزنها عليه "ليتني لم أطلب منه الذهاب إلى السوق حينها".
تقول سعاد، من العاصمة العراقية بغداد، لـ "ارفع صوتك": "في ذلك الوقت رفض ابني الذهاب للتسوّق، ولكن إصراري جعله يقبل.. ذهب بلا عودة".
قبل مقتل ابنها وبعده، وعند حدوث أي تفجير إرهابي، تمضي سعاد الوقت أمام شاشة التلفاز، تتابع الأخبار، وتبكي.
وفي كل مرة تزور موقعاً شهد أحد التفجيرات، لمواساة أهالي الضحايا، تأمل أن تكون زيارتها الأخيرة، لكن ذلك ما لم يحصل، ويحزنها ذلك.
الفقراء والأبرياء
التفجير المزدوج لانتحاريين في تنظيم داعش، حسبما أعلن الأخير في بيان له، أعاد العراقين لسنوات ما قبل تحرير الموصل وهزيمة داعش من قبل القوات العراقية والتحالف الدولي عام 2017.
يقول زاهر أمجد (38 عاماً) الذي فقد زوجته وطفلته في تفجير عام 2015، إن ما حصل، أمس الخميس، كان أشبه بـ"آلة حادّة ضربت رأسه"، واستعاد صدمة فقدان حبيبتيه.
"بكيتُ بحرقة على الضحايا، وأغلبهم من الباعة المتجولين والكسبة"، يضيف زاهر، متسائلاً "لماذا قتل الفقراء والأبرياء من العراقيين بهذه السهولة، ويحصل بدم بارد؟".
ويتابع متهكماً "ولماذا نسأل ولمن نوجه السؤال؟! من سيهتم لمقتل بائع شاي أو ملابس مستعملة".
"تفجيرات سياسية"
ولأن الهجوم أتى بعد أيام قليلة على تأجيل الانتخابات العراقية المبكرة لشهر أكتوبر 2021، وفق ما أعلنت الحكومة، يرى المواطن البغدادي عادل كريم (32 عاماً) أن "حرب الانتخابات بدأت الآن. ووقودها الناس البسطاء".
ويقول عادل الذي يعمل سائق تاكسي "ارفع صوتك": "هذه تفجيرات سياسية لا إرهابية، هم يختلفون على مناصب السلطة، وتوزيع المكاسب بعد الانتخابات".
ويعتقد أن "الكل على دراية ووعي بأنه كلما اتفقت الكتل السياسة سرقت أموال الشعب، وترك للجوع والعوز والحرمان والمرض، وإذا اختلفت، قتل الشباب بتفجيرات إرهابية أو بزجهم في حروب ومعارك جديدة".
في هذا السياق، تقول نادية عامر (27 عاماً) النشطة في مواقع التواصل الاجتماعي، إن "إشعارات الأمان" التي أرسلها مستخدمو فيسبوك في بغداد، التي تؤكد أنهم بخير، أعادت لها الخوف والقلق المرتبط لديها بسماع دويّ التفجيرات في مناطق مختلفة، خلال السنوات الماضية.
"لا نعرف ماذا نفعل.. كي يكف الساسة عن قتلنا وقتل شبابنا.. فهم لم يكتفوا طيلة الأعوام الماضية بتجويعنا وتدميرنا وتشريدنا، وعادوا اليوم ليحصدوا المزيد من حياة العراقيين" تضيف نادية في إشارة إلى أن الطبقة الحاكمة تتحمل مسؤولية الهجوم.
الكتل السياسية والأحزاب
تعليقاً على تبنّي تنظيم داعش الهجوم الزدوج الذي راح ضحيته 32 قتيلاً و110 جرحى، يقول المحامي نزار علوان "دائما ما يتزامن توقيت داعش مع نزاعات السياسيين وخلافاتهم على مكاسب السلطة".
ويرى أن "البعض يحاول الآن بسبب حادثة ساحة الطيران إثارة النعرات الطائفية وتصعيدها بين الناس، من منطلق أن أغلب المستهدَفين من الطائفة الشيعية".
"هذه إحدى اللعب التي يتبعها الساسة لاستغلال التفجير بما يخدم مكاسبهم" حسب علوان، مضيفاً "ستشهد الأيام المقبلة الكثير من الأمور التي تسعى عبرها الكتل السياسية والأحزاب للحصول على تعاطف الناس وانتخابهم، وربما الطائفية أبرزها".
وكان عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي النائب كاظم الصيادي، قال إن "الصراعات السياسية تؤثر بشكل كبير على مجريات الوضع الأمني في العراق".
وأضاف الصيادي أن "الصراعات السياسية الحالية بسبب قضية الانتخابات المبكرة، حيث البعض يطلب التأجيل والبعض يريد الإسراع بإجرائها، كلها تخلق فوضى تلقي بظلالها على الوضع الأمني واستغلالها من قبل مسلحي داعش لشن الهجمات".
