العراق

"ركام وألم ورائحة كريهة".. موصليون يبيعون بيوتهم للسكن في الضواحي

28 يناير 2021

يأمل سعد جرجيس الذي كان يسكن في المدينة القديمة وسط الموصل، في بيع منزله الذي بات مجرد جدران متهاوية، كما أغلب المباني هناك، من أجل شراء بيت جديد في الضواحي.

وانتقل العديد من سكان المدينة الواقعة شمال العراق، تاركين وراءهم أملاكاً من الصعب إيجاد من يريد اقتناءها. 

وفي صيف 2017، أقيمت احتفالات رسمية بمناسبة "تحرير" الموصل التي كانت تعتبر بمثابة "عاصمة" تنظيم داعش.

واحتل التنظيم الإرهابي لأكثر من ثلاث سنوات مساحات واسعة من العراق، لكن أهالي الموصل وجدوا أنفسهم بعد ذلك وسط ركام منازلهم ومحلاتهم.

وحتى اليوم، لا يملكون إمكانات إعادة الإعمار، فلم يجدوا مفراً من جمع كل ما لديهم من مال لشراء أراض على أطراف الموصل ومحاولة تشييد منازل هناك. 

 

"بيت مدمر" للبيع

يسكن سعد جرجيس (62 عاما) اليوم مع زوجته وأطفاله الأربعة في شقة استأجرها في حي شرق الموصل، على الجانب الآخر من نهر دجلة.

يقول لوكالة فرانس برس "أحاول منذ أشهر بيع بيتي المدمر كقطعة أرض على الأقل، لكن لا أحد يريد شراءه، لأنه مع كل ما حوله من منازل مهدمة، تفوح منها روائح كريهة تذكر بالموت والدمار". 

وتمثل المدينة القديمة حيث تقع منارة الحدباء والجامع الأموي ومنازل وعقارات عتيقة، قلب الموصل وأقدم منطقة فيها، وهي مركز محافظة نينوى المعروفة بـ"أم الربيعين".

ولم يعد سعد يرغب بالعودة للعيش في المدينة القديمة، يقول "عندما أتفقد البيت، تقفز أمامي مشاهد القتل والتفجير والإعدامات التي كان داعش ينفذها".

وتقف هذه الذكريات ومعها الفساد والركود الاقتصادي في العراق جراء انخفاض أسعار النفط الذي يمثل المورد الرئيسي لميزانية البلاد، وراء صعوبة عودة الحياة الطبيعية في جميع المدن التي حررت من قبضة داعش. 

يتابع سعد بألم واضح "بيتي الذي اشتريته من قبل بستين مليون دينار (حوالي 40 ألف دولار) لا يساوي اليوم حتى ربع هذا المبلغ، وينطبق هذا على جميع المنازل والمحال التجارية في المدينة القديمة". 

في نفس السياق، يؤكد ماهر النقيب، وهو صاحب مكتب لبيع وشراء العقارات، "انخفاض أسعار المنازل في المدينة القديمة بنسبة تصل إلى 50%".

"تحمل هذه البيوت ذكريات مؤلمة لأهلها، ما دفعهم للتخلي عنها" يضيف النقيب لوكالة فرانس برس.

ويشير إلى تلقيه طلبات من سكان المدينة القديمة لشراء عقارات سكنية في أحياء بعيدة عن قلب الموصل كانت أقل ثمنا في الماضي، لكن البنى التحتية فيها الآن أصبحت أفضل. 

ويقول النقيب إن من أسباب الانخفاض الكبير في أسعار عقارات المدينة القديمة، أن الحكومة "لم تدفع تعويضات للأهالي ولم تُعِد الخدمات العامة ولم تبن  الجسور" بين جانبي المدينة.

وتحت هذه الظروف، أصبح بيع السكان لمنازلهم وعقاراتهم، حتى ولو بربع قيمتها، الخيار الوحيد أمامهم.

من جهتها، تؤكد سلطات المحافظة أنها قدمت 90 ألف طلب تعويض بينها حوالي 50 ألفاً عن أملاك دمرت وقرابة 40 ألفاً عن الضحايا، لكن التعويضات لم تشمل سوى 2500 عائلة حتى الآن. 

في المقابل، تحولت مناطق زراعية تمتد على أطراف الموصل التي كانت مركزا تجاريا أساسيا في الشرق الأوسط يسكنها قرابة مليوني نسمة، إلى تجمعات سكنية متفرقة هنا وهناك. 

وظهرت أحياء بأسماء مثل "زيونة" و "الفلاح الثانية" و "الجمعيات"، تمر فيها شوارع مغطاة بالإسمنت وتمتد فيها أنابيب مياه شرب وتوجد فيها مكاتب عقارية. 

بقايا أحد البيوت لعائلة كردية في الموصل

 

بيت مدمر في الموصل، يود صاحبه بيعه

 

ليست للسكن

يقول يونس حسون (56 عاما)، وهو صاحب مكتب عقارات، إن "عملية بيع الأرض للسكن سهلة جدا ولا تستغرق سوى ساعة أو ساعتين، فيما يتطلب بيع أو شراء العقارات والأراضي القديمة إجراءات روتينية معقدة ترهق الناس الذين أصبحوا يفضلون المناطق الجديدة". 

إلى ذلك، تعد أسعار شراء الأراضي في تلك المناطق مغرية مقارنة بغيرها. 

ويضيف حسون لفرانس برس أن "سعر المتر المربع من الأرض يعتمد على الموقع ويتراوح بين 100 إلى 300 ألف دينار (حوالي 65 إلى 200 دولار)". 

وشجع كل ذلك على تسارع حركة البناء. ويمكن رؤية شاحنات وآليات تتنقل في المناطق الواقعة عند أطراف الموصل حيث أقيمت مدارس خاصة ومحال تجارية وعيادات طبية خاصة.

من جهة أخرى، اشترى عدي حميد (42 عاما)، وهو بائع ملابس مستعملة، قطعة أرض منذ أكثر من عام وتمكن من بناء منزله عليها، يقول "عندما اشتريتها كانت المنطقة خالية تماما".

ويوضح حميد، وهو أب لخمسة أطفال، إلى أن "ثمن 100 متر مربع داخل الموصل يتراوح بين 15 الى 20 مليون دينار (أقل من 13500 دولار)، بينما في المناطق الجديدة تشتري بهذا المبلغ 200 متر مربع".

وتدعي دائرة بلدية الموصل أن الأراضي الزراعية غير مخصصة للسكن، لكن في العراق حيث ما زال هناك 1,2 مليون نازح، لم يعد هناك اعتبار لذلك.

ويؤكد رئيس بلدية الموصل زهير الأعرجي أن "هناك خططا لتوسيع مدينة الموصل (...) ولبناء ضواحي جديدة"، لكنها ما زالت "قيد الدراسة"، رغم مرور أكثر من ثلاث سنوات على طرد داعش من المنطقة.

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.