العراق

سجنوا "سارق المناديل".. أين سارقو ملايين الدولارات في العراق؟

28 يناير 2021

خاص- بغداد:

ضمن سلسلة من الأحكام الصادرة بموجب عمل اللجنة العليا لمكافحة الفساد والجرائم الاستثنائية، قررت محكمة الكرخ المختصة بقضايا النزاهة الحكم غيابياً بالحبس لمدة خمس سنوات بحق المديرة العامة السابقة للمصرف العراقي للتجارة، حمدية الجاف، لإضرارها بالمال العام بمبلغ قدره 40 مليون دولار. 

ويعود الحديث عن نجاعة القوانين النافذة في القضاء على الفساد مع كل حكم يصدر في سياق حملة مكافحة الفساد الحكومية.  

تقول الناشطة القانونية بشرى العبيدي لموقع "ارفع صوتك"، إن الأحكام الصادرة بتهم الفساد وهدر المال العام "يجب أن تكون مشددة بموجب قانون العقوبات العراقي، فالأحكام عادة ما تصدر مخففة". 

وتضيف "ليس من حق أي قاض أو محكمة تخفيف الأحكام بقضايا الفساد لأنها جنايات كبيرة، فطريقة تعامل القضاء مع جرائم الفساد لا تتناسب وحجم الأضرار التي يتسبب به الفاسدون". 

وكان رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، قد وعد مطلع العام الحالي بأنه سيكون "عام كشف الحقائق الكبرى الخاصة بالفساد الذي أثر في الاقتصاد والتنمية". 

 

قوانين لا تردع 

في نفس الوقت، دعت العبيدي إلى تشديد الأحكام القضائية بحق المدانين بجرائم الفساد المتعلقة بالمال العام، مشيرة إلى أن التهاون فيها يشجع على إهدار المال العام.

"لا قيمة لحملة مكافحة الفساد ولا للأحكام القضائية إن لم تحقق جانب الردع" تقول العبيدي، مؤكدة على "ضرورة تفعيل إجراءات استثنائية تمنع إطلاق سراح المدانين إن لم يعيدوا الأموال المسروقة".

وتشير إلى أن "المحكمة الاتحادية لا تزال تعتبر انقضاء فترة المحكومية معياراً يطلق على أساسه الفاسدون ومن ثم استرجاع الأموال بطريقة السداد طويل الأمد". 

وتذكر البيانات والإحصائيات التي تم الحصول عليها، أن حجم الفساد منذ عام 2003 قد تجاوز 400 مليار دولار، في وقت تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن نسبة الفقر في العراق ارتفعت إلى 31% وهناك فقر مشهود في المناطق الجنوبية من البلاد. 

 

"بحق الفقراء فقط"

يقول المواطن مهند كاظم، إن السلطات الرقابية والتنفيذية "تعرف كل صغيرة وكبيرة في ما يتعلق بالفساد لكنها لا تتمكن من تطبيق القانون إلا بحق الفقراء".

ويضيف لـ "ارفع صوتك": "في إحدى المرات ألقت الشرطة القبض على صبي وهو يسرق علبة مناديل ورقية، وبشكل سريع نفذت كل الإجراءات القانونية بحقه، في المقابل لا أحد يتمكن من الوصول إلى رؤوس الفساد الكبيرة". 

وكان العراق لسنوات عديدة وما زال ضمن قائمة الدول الأكثر فساداً في العالم حسب تصنيفات منظمة الشفافية العالمية، بعدما أصاب الفساد مختلف القطاعات في البلاد وأدى إلى تباطؤ النمو الاقتصادي وتقليص فرص العمل. 

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.