العراق

إيران: إعدامات واعتقالات بالجملة في أقاليم كردستان والأحواز وأذربيجان

دلشاد حسين
30 يناير 2021

تشهد أقاليم كردستان والأحواز وبلوجستان وأذربيجان في إيران، حملات اعتقال عشوائية متواصلة، تشنها أجهزة الاستخبارات التابعة للحرس الثوري الإيراني منذ نهاية ديسمبر الماضي، أسفرت حتى الآن عن اعتقال أكثر من 128 شخصا من مختلف الفئات المجتمعية. 

وكشف معارضون للنظام الإيراني عن أن عدد المعتقلين في هذه الحملات المستمرة منذ نحو شهر تجاوز المئات، لكن الأجهزة الأمنية والحرس الثوري "هددا عائلاتهم بإعدام أبنائهم، إذا أدلوا بأي معلومات حول الأمر".

يقول خليل نادري، وهو المتحدث باسم حزب الحرية الكردستاني المعارض للنظام في إيران، لموقع "ارفع صوتك": "تستهدف حملات الاعتقال هذه المرة كافة فئات المجتمع في كردستان، عوضاً عن إعدام مجموعة من السجناء السياسيين والناشطين، بينما فارق اثنان من المعتقلين السابقين الحياة تحت التعذيب في السجون".

ويضيف نادري "بحسب الإحصائيات التي حصلنا عليها أعدم النظام خلال عام 2020 الماضي أكثر من 251 ناشطاً ومعتقلاً سياسياً من مختلف الشعوب التي تعيش في إيران، وكانت حصة الناشطين والمعتقلين الكرد ربع هذا العدد، إضافة إلى الأشخاص الذين أعدموا سرا، بينهم نساء وأطفال".

ولم يتوقف النظام الإيراني على مدى أكثر من 42 سنة عن عسكرة المدن وفرض القيود على الحريات وتكميم الأفواه وقمع الأصوات المعارضة وكافة الشعوب المتواجدة داخل جغرافية إيران الحالية، وتحويل البلاد إلى سجن كبير منعزل عن العالم الخارجي.

من جهته، يقول عارف باوجاني، رئيس حزب سربستي كردستان، إن "الاعتقالات الحالية ناجمة عن خوف النظام الإيراني من الشارع بشكل عام ومن الشارع الكردي خاصة".

ويوضح باوجاني الذي يتزعم في الوقت ذاته التحالف الليبرالي "زاغروس"، لموقع "ارفع صوتك" أن "الحملة بمثابة تهديد وترهيب للشباب لمنعهم من التظاهر فيما إذا كانت لديهم أي فكرة بالمشاركة في النشاطات والتظاهرات".

"لأن النظام يعلم أنه يقترب من النهاية ويرى أن الفكر القومي لدى المواطنين في كردستان زاد بشكل ملحوظ، وهناك تمسك بفكرة الدولة الكردية، لذلك يسعى عبر الاعتقالات والقمع إلى تخويف الناس ومنعهم من النضال والمطالبة بحقوقهم" يتابع باوجاني.

ويلفت إلى أن عدد المعتقلين في مدن كردستان إيران لوحدها تجاوز 76 معتقلا، وسط استمرار الحملات التي يشنها الحرس الثوري الإيراني لتدمير البيوت وتنفيذ الإعدامات وتدمير وحرق مناطق كاملة في كردستان والأحواز وبلوجستان وأذربيجان.

أما عدد المعتقلين في الأحواز حسب إحصائيات حصل عليه موقع "ارفع صوتك" من الحزب الليبرالي الأحوازي، بلغ 28 معتقلا بينهم 8 نساء، وغالبيتهم من الشباب الباحثين عن العمل.

وأعلنت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الدولية في التقرير العالمي الذي نشرته منتصف يناير الجاري، أن السلطات الإيرانية أحكمت قبضتها على النشاط السلمي خلال العام الماضي، وسجنت محامين ومدافعين حقوقيين، بالإضافة إلى الذين احتجوا على الفساد وسوء الإدارة والقمع الحكومي.

وقالت المنظمة في تقريرها: "بينما تكافح البلاد للسيطرة على تفشي فيروس كورونا، استبعدت السلطات القضائية والاستخبارية الإيرانية عشرات المدافعين الحقوقيين والسجناء السياسيين من إجراءات الإفراج المؤقت للحد من اكتظاظ السجون، وتواصل سجن المدافعين الحقوقيين وأولئك الذين ينتقدون سلوك الحكومة، لكنها لم تتخذ أي خطوات لمحاسبة المتهمين بارتكاب انتهاكات حقوقية جسيمة، لا سيما قوات الأمن التي استخدمت القوة المفرطة والقاتلة ضد المتظاهرين في نوفمبر 2019".

وصنفت المنظمة إيران كواحدة من الدول الأكثر تنفيذا للإعدام، وقالت "أعدمت السلطات في إيران 233 شخصا خلال الفترة الممتدة من مطلع 2020 حتى 19 نوفمبر منه".

في نفس السياق، يعتبر المحلل السياسي المختص بالشأن الإيراني، سوران بالاني، شن الحرس الثوري لهذه الحملة الواسعة من الاعتقالات "جزءاً من مخططه لاستكمال السيطرة على الساحة السياسية في إيران بعد أن تمكن خلال السنوات الماضية من التحكم بالجوانب العسكرية والاقتصادية والأمنية".

ويكشف بالاني لموقع "ارفع صوتك" عن أن "عدد المعتقلين خلال الحملة تجاووز في كردستان والأحواز وبلوجستان وأذربيجان بشكل عام، 128 معتقلا بينهم نساء وأطفال أيضا".

ويؤكد أن "طهران تهدف من خلال هذه الحملة إلى الانتقام من الكرد والشعوب الأخرى داخل جغرافية إيران، التي تظاهر أبناؤها خلال السنوات الماضية ضد النظام وأجهزته السياسية والأمنية القمعية".

"ويأتي توقيت هذه الاعتقالات بالتزامن مع المحاولات الدولية لإعادة المفاوضات على الملف النووي الإيراني" يتابع بالاني.

ويقول إن "مصير المعتقلين ما زال مجهولا ولم تتمكن عائلاتهم من معرفة أماكن احتجازهم" مضيفاً "كما أن جزءاً كبيراً منهم اعتقل عبر مداهمة بيوتهم في أوقات متأخرة ليلاً والقسم الآخر في الطرقات ومن داخل أماكن العمل".

ويشير بالاني إلى أن الحملة تنفذ من قبل جهاز الاطلاعات (الاستخبارات) التابع للحرس الثوري، للتمكن من السيطرة على كافة مقاعد مجالس المحافظات ورئاسة الدولة خلال الانتخابات الرئاسية وانتخابات مجالس المحافظات المقبلة التي ستشهدها إيران في يونيو المقبل.

دلشاد حسين

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.