العراق

"نطلب من الله أخذ أرواحنا".. ما قصة مخيم "الجدعة 5" في العراق؟

05 فبراير 2021

 يبدو أن العراق قد تراجع عن خططه لإغلاق مخيم للعراقيين النازحين داخليًا، والعديد منهم على صلة بتنظيم داعش، وذلك بعد أسبوع من ارتباك وغضب عائلات لم تتمكن من العودة إلى ديارها.

وقالت إيفان فائق جابرو، وزيرة الهجرة والتهجير العراقية، لوكالة "أسوشيتدبرس"، إن الأخبار المتعلقة بإغلاق المخيم المعروف باسم "الجدعة 5" شمال العراق "خاطئة" مؤكدة أنه سيبقى مفتوحًا في المستقبل المنظور.

ومع ذلك، فإن رسالة صادرة عن مديرية الوزارة في محافظة نينوى، موجهة إلى مناطقها الفرعية اطلعت عليها "أسوشييتد برس"، قالت إن "الإغلاق سيبدأ في 25 يناير" ما يشير إلى أن الحكومة الفيدرالية غيرت القرار في وقت لاحق، أو أن هناك سوء اتصال داخل مواقع الوزارة.

وتعكس الإشارات المختلطة معضلة العراق الحقيقية في حين يتسابق لإغلاق جميع المخيمات للنازحين بما يتماشى مع خططه لإحياء جهود إعادة الإعمار المتخلفة في كثير من الحالات دون توفير سكن بديل أو إدارة المصالحة مع العشائر المحلية بشكل صحيح.

وأثارت هذه الأخبار انتقادات من عائلات نازحين قالوا إنهم شعروا بأنهم مجبرون على حزم أمتعتهم والعودة إلى ديارهم المدمرة وغير الصالحة للسكنى.

وأُعيد بعضهم لاحقًا من قبل العشائر المنتقمة بسبب صِلاتهم المتصورة بتنظيم داعش.

تقول أم عبدالرحمن (37 عاماً)، وهي زوجة عنصر سابق في التنظيم "كنا نبكي، لم نتمكن من النوم في الليل"، موضحة أن عشيرتها في بلدة الحويجة ترفض عودة عائلتها، وأن المخيم "أكثر أمانًا من مسقط رأسها".

"إذا أجبرونا على العودة، سنبقى في الشارع" تضيف لوكالة "أسوشييتد برس".

من جهتها، قالت الوزيرة جابرو إن "العائلات كان أمامها خيار البقاء، أو إذا فشلت جهود المصالحة التي تقودها الحكومة، فسيتم توفير السكن في مكان آخر".

كما صرحت في مقابلة هاتفية "ما زال مجهولا حتى الآن متى سيغلق المخيم، وربما لن يغلق، لأن أولئك الذين يعيشون هناك ما زالوا يعانون من مشكلات مع العشائر، أو أن منازلهم دمرت بالكامل ... الوزارة ... لم تعلن أننا سنغلق المعسكر وفوجئنا أيضا عندما قرأنا الإعلان".

وكانت السلطات العراقية بدأت تسريع عملية إغلاق المخيمات أواخر العام الماضي في جميع أنحاء البلاد، قوبل بإدانة من جماعات الإغاثة الدولية التي انتقدت الخطة باعتبارها متسرعة، ونصب العديد من النازحين الخيام بجوار منازلهم المدمرة.

وتعتبر العائلات التي لها صلات مثبتة أو متصورة بتنظيم داعش من بين الأكثر ضعفاً والأكثر وصمة في المجتمع العراقي، ويبقون في المخيمات خوفاً من انتقام الميليشيات والعشائر في قراهم الأصلية.

كان من المتوقع أن يظل مخيم "الجدعة 5"، وهو المخيم الأخير المتبقي في نينوى، مفتوحًا لضم كل هذه الحالات المحددة للنازحين داخليًا، وكان إغلاقه سيؤثر عليهم بشكل غير متناسب.

ولم يتضح عدد الذين بقوا في المخيم الذي كان يأوي حتى منتصف يناير الماضي حوالي 8800 شخص.

وقالت أربع عائلات على الأقل قابلتها "أسوشييتد برس" هذا الأسبوع في المخيم، إن قوات الأمن العراقية طلبت منهم إخلاء المخيم، أولاً بحلول 31 ينايرثم لاحقًا، بحلول نهاية فبراير.

وبناء على ذلك، سارع النازحون إلى حزم خيامهم وتكديس أمتعتهم في شاحنات، وهم غير متأكدين إلى أين سيذهبون بعد ذلك.

خليل محمد، من منطقة الزاب في كركوك، عاد إلى دياره رغم تلقيه تهديدات تحذره من العودة، لكن جيرانه طردوه ودمروا منزله فيما بعد. وكان ابنه عضوا في داعش.

يقول محمد "حاولت منع ابني من الانضمام إلى داعش، لكنني لم أستطع".

وأعقبت الفوضى رسالة بتاريخ 21 يناير، وقعها رئيس دائرة نينوى بوزارة الهجرة، أمرت بإغلاق "الجدعة 5" ليبدأ يوم الاثنين 25 يناير.

وحصلت "أسوشيتدبرس" على نسخة من الرسالة، أكد اثنان من المسؤولين صحتها.

ومنذ توضيح الحكومة، خفت حدة الضغط لإخلاء المخيمات، لكن الفوضى سلطت الضوء على تحديات المصالحة الخطيرة المقبلة.

وقال أحمد خضير إن عشيرته المكونة من 120 فردًا لا يمكنها العودة إلى ديارها في تلعفر، لأن ثلاثة من أفراد الأسرة كانوا ينتمون إلى داعش.

وأضاف "لا يمكننا استئجار منازل، ليس لدينا المال. أحيانًا نطلب من الله أن يأخذ أرواحنا. نريد الانتحار لأننا لا نستطيع العيش في هذا البلد".

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.