العراق

شبهة "حواضن الإرهاب" .. المناطق المحررة بين القيل والقتل

08 فبراير 2021

سلسلة هجمات أوقعت مؤخرا عشرات القتلى والجرحى، شنها تنظيم داعش ضد المدنيين ومنتسبي القوات الأمنية بمحافظات عراقية عديدة، أعادت إلى الواجهة مجدداً "تهمة" تحول المناطق المحررة إلى "حواضن للإرهاب وخلاياه النائمة".

وأعلن رئيس الحكومة القائد العام للقوات المسلحة، مصطفى الكاظمي، مقتل "والي العراق ونائب الخليفة" في تنظيم داعش، المكنى "أبو ياسر العيساوي، في تغريدة نشرها في 28 يناير/ كانون الثاني.

بعدها بأيام أعلن الكاظمي أيضاَ، مقتل أبو حسن الغريباوي، قائد ما يسمى ولاية "جنوب العراق" في تنظيم داعش، وغانم صباح، المسؤول عن نقل الانتحاريين، في عمليتين أمنيتين نفذتا بإسناد طيران التحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية.

اتهامات حكومية

يقول كاظم الشمري، النائب في البرلمان العراقي، إن هناك "اتهامات من جهات حكومية" تطال سكان المناطق المحررة، بخصوص تحولهم إلى "حواضن لعناصر لتنظيم داعش".

ويضيف خلال حديثه لموقع (ارفع صوتك)، "لا يمكن لهذه الطريقة في التعامل مع سكان المناطق المدمرة بفعل الإرهاب أن تعيد الأمن بشكل كامل، يجب على القيادات الأمنية أن تدرك بأن دمج المواطن في الدولة، وزرع الشعور فيه بأنه جزء منها هو الحل الأمثل لتعزيز الثقة بين المواطن والقوات الأمنية، للحصول على المعلومات الكافية لملاحقة العناصر الإرهابية".

ويضيف الشمري أن محافظة نينوى التي شهدت معارك عنيفة لانتزاعها من مخالب التنظيم المتطرف تحتاج الى (15 مليار دولار لإعادة اعمارها وفقاً لبيانات رسمية)، محذرا "علينا أن نعترف. داعش لم ينته".

ويضيف النائب أن "سكان المناطق المحررة كانوا ضحايا تخاذل القوات الأمنية أيام سقوط مناطقهم بيد داعش، والآن هم يتعرضون بين الحين والآخر إلى عمليات إرهابية بسبب اخفاقات القيادات الأمنية في حفظ أمنهم وسلامة عوائلهم".

وفي شريط مصور، ظهر قائد عمليات محافظة الأنبار، اللواء الركن ناصر الغنام، وهو يتحدث في لقاء جمعه بشيوخ ووجهاء من المحافظة، عن حجم التضحيات التي قدمتها الأنبار أثناء سيطرة الإرهاب، وما تعرضوا له من عمليات قتل طالت أقرباءهم وأسرهم، وما لحق بهم من دمار في منازلهم وممتلكاتهم، قائلاً أثناء اللقاء إن "الإرهاب سيطلب رؤوسهم، إذا ما تمكن مرة أخرى من السيطرة على مناطقهم".

ودعا الغنام وجهاء المحافظة إلى "عدم التستر على المتهمين بالإرهاب"، متوعداً أيضاً "كل من يروج معاملات تعويضية لعوائل الإرهابيين بأن مصيره سيكون السجن".

وهم الحواضن

ويرى قائممقام قضاء الرمادي، بمحافظة الأنبار، إبراهيم العوسج، أن "هناك من يريد أن تبقى المناطق المحررة من تنظيم داعش، مدمرة وغير صالحة للحياة".

ويمضي العوسج متحدثاً لموقع (ارفع صوتك) عن الغرض من محاولة إبقاء "الإرهاب كوجه دائم للمناطق المحررة’’، هو "لإسكات أصوات المواطنين، والعمل على إبقائهم ضمن مستقبل مجهول، لا حياة فيه ولا خدمات".

ويؤكد قائممقام الرمادي (مركز محافظة الأنبار) في الوقت ذاته، أن "المحافظات المحررة ستقول كلمتها في الانتخابات المقبلة، وستعيد بناء نفسها"، مبيناً أن "مفردة بقاء المناطق المحررة حواضن للإرهاب، أكل عليها الدهر ومضى، فهي لم تكن يوماً حقيقة وليس لها أي صحة إلى الآن".

ويتابع، أن "هناك تصعيداً جديداً تقوده بعض الجهات ومنهم من أبناء جلدتنا، من خلال كيل التهم ضد مواطني المحافظات المحررة، بهدف ضرب أي محاولة للنهوض بواقعها، جراء التدمير الكبير الذي طالها بفعل معارك تحريرها من تنظيم داعش".

تقول النائبة عن محافظة صلاح الدين، كفاء فرحان حسين، "إنها مستغربة من التهم التي تطلق ضد أبناء المناطق المحررة، عبر بعض وسائل الإعلام ومن خلال شخصيات سياسية ومسؤولين ونواب".

وتتساءل كفاء حسين، خلال حديثها لموقع (ارفع صوتك)، بالقول إن "الأجهزة الأمنية كلها مرتبطة بمركز القرار في بغداد، وهي عبارة عن سلسلة مراجع، فلماذا كل هذه التهم التي يواجهونها أبناء المناطق المحررة بأنهم تحولوا إلى حواضن للإرهاب؟".

وتضيف النائبة "الأجهزة الأمنية بيدها كل شيء، وعليها فرض الأمن في المناطق المحررة، ومنع أي هجمات تشن من قبل عناصر تنظيم داعش"، مؤكدة أن "هناك خلل في السيطرة على بؤر داعش في المناطق المحررة وخصوصاً في محافظة صلاح الدين".

وتؤكد حسين أن "جبل حمرين الموجود في محافظة صلاح الدين، يمثل مركز انطلاق عناصر تنظيم داعش على المناطق المحررة، وبقية المناطق الأخرى".

وتشدد بقولها "من الجبل يضرب الموت والإرهاب المحافظة والمناطق الأخرى، لا توجد عمليات استباقية حقيقة لمنعه".

وتبين النائبة حسين بأن "الكثير من عناصر داعش في الجبل (حمرين) والجميع يعلم بذلك وعلى العمليات المشتركة التحرك العاجل للقضاء على وجودهم في الجبل".

وتتابع "المناطق المحررة تتعرض للظلم والإجحاف. تهم بلا دليل ضد مواطنيها وموازنة بلا تخصيصات تعيد بناء هذا الخراب".

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.