العراق

تحذيرات من خروج الوضع عن السيطرة بعد هجوم أربيل

16 فبراير 2021

حذرت الأمم المتحدة الثلاثاء من خروج الوضع عن السيطرة في العراق بعد هجوم صاروخي استهدف ليلا قاعدة جوية في كردستان تؤوي جنودا أميركيين، ما تسبّب بمقتل متعاقد مدني أجنبي وجرح آخرين من عراقيين وأجانب بينهم عسكري أميركي.

والهجوم هو الأول الذي يستهدف مرافق غربية عسكرية أو دبلوماسية في العراق منذ نحو شهرين، إذ يعود الهجوم الأخير إلى منتصف كانون الأول/ ديسمبر حينما انفجرت صواريخ قرب السفارة الأميركية في بغداد.

وشجبت ممثلة الأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت في تغريدة "مثل هذه الأعمال الشنيعة والمتهورة" التي "تشكل تهديدات خطيرة للإستقرار".

ودعت إلى "ضبط النفس والتعاون الوثيق بين بغداد وأربيل لتقديم الجناة إلى العدالة".

إعادة فتح المطار

بحلول صباح الثلاثاء، رفعت بقايا ومخلفات الصواريخ التي تركت خلفها حفراً صغيرة في عدد من شوارع أربيل وآثارا على جدران خارج بعض المنازل.

وقال المتحدث باسم الحكومة لوكالة الصحافة الفرنسية إن مطار أربيل استأنف جدول رحلاته المعتادة ظهرا (09,00 ت غ)، بعدما كان مغلقا خلال الصباح أمام الرحلات الجوية.

وقالت ناريمان محمد (51 عاما) وهي من أهالي أربيل إن "هذا القصف بالتأكيد أثر علينا، عرض حياتنا للخطر". وأضافت "لا أرى أي معنى لكل هذا، نحن بشر أيضاً ونريد أن نعيش".

ويبدو أن الهجوم استهدف مجمعاً عسكرياً في مطار أربيل تتمركز فيه قوات أجنبية تابعة للتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة لدعم العراق في مكافحة الجهاديين.

غير أن صواريخ سقطت أيضاً في أحياء سكنية، بحسب دائرة الصحة في المدينة التي أفادت عن سقوط خمسة جرحى من المدنيين.

وأكد المتحدث باسم التحالف واين ماروتو الثلاثاء للفرنسية أن ثلاثة صواريخ ضربت المطار، ما أدى إلى مقتل موظف مدني أجنبي ولكنه ليس أميركياً.

وأصيب تسعة أشخاص آخرين بجروح، بينهم ثمانية موظفين مدنيين وعسكري أميركي، بحسب ماروتو.

وبقي مطار أربيل مغلقاً صباح الثلاثاء فيما تقوم السلطات بتقييم الأضرار، كما أكد مدير المطار أحمد هوشيار للفرنسية.

وندد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مساء الإثنين في بيان "بالهجوم الصاروخي"، متعهّداً "محاسبة المسؤولين عنه".

وأضاف أنه تواصل مع رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني لتأكيد "الدعم" الأميركي "الكامل" لإجراء تحقيق في الهجوم.

ودان بارزاني بدوره الهجوم "بأشدّ العبارات"، فيما جاء في تغريدة للرئيس العراقي برهم صالح أن "استهداف أربيل الذي أوقع ضحايا، يُمثل تصعيداً خطيراً وعملاً إرهابياً إجرامياً".

وأكّد مصدران أمنيان أنّ الهجوم شُنّ من داخل أراضي كردستان العراق.

وتبنّت مجموعة تسمي نفسها "سرايا أولياء الدم" الهجوم الصاروخي على أربيل.

وبدأ استهداف منشآت عسكرية ودبلوماسية غربية في العراق منذ خريف العام 2019 بالصواريخ، لكن معظم هذه الهجمات تركّزت في العاصمة بغداد.

وأطلقت طهران فجر 8 كانون الثاني/ يناير 2020 صواريخ على قاعدتي عين الأسد (غرب) وأربيل (شمال) حيث يتمركز عدد من الجنود الأميركيين في العراق، رداً على اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني بضربة أميركية قرب مطار بغداد.

مذاك استهدفت صواريخ بشكل متكرر السفارة الأميركية في العاصمة العراقية.

في تشرين الأول/ أكتوبر، هدّدت الولايات المتحدة بأنها ستغلق سفارتها في بغداد في حال استمرّت الهجمات الصاروخية، ما دفع الفصائل المتشددة إلى الموافقة على هدنة دائمة.

ومنذ أن أعلن العراق الانتصار على تنظيم داعش في أواخر عام 2017، قلّص التحالف الدولي عديد قواته في العراق إلى ما دون 3500 عنصر، بينهم 2500 جندي أميركي.

وتتمركز غالبية القوات الأجنبية في المجمع العسكري في مطار أربيل بحسب مصدر في التحالف.

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.