جسر دمّره داعش في نينوى
جسر دمّره داعش في نينوى

تعمل شخصيات سياسية واجتماعية وعشائرية عراقية من محافظات الأنبار صلاح الدين ونينوى وديالى، على تشكيل إقليم فيدرالي يشمل وسط وغرب العراق، باعتباره "الحل" لمشاكل محافظاتهم.

وتشير الأطراف المشاركة في مشروع إقليم وسط وغرب العراق، إلى أنه سيشمل محافظات نينوى والأنبار وصلاح الدين وديالى وحزام بغداد ومناطق في شمال بابل.

أما بالنسبة للعاصمة بغداد، فوضع أصحاب المشروع خيارين لها: الأول أن تصبح إقليما مستقلا، كي تكون عاصمة مشتركة لجميع الأقاليم، وهو ما يرجحونه، والثاني، ضم جانب الكرخ منها إلى إقليم وسط وغرب العراق. 

بينما قد تصبح كركوك وبغداد وشمال بابل وعدد من نواحي ديالى ونينوى، ضمن المناطق المتنازع عليها.

 

"حق شرعي دستوري"

من جهته، يؤكد السياسي العراقي المعارض محمد الجنابي، لموقع "ارفع صوتك"، أن فكرة تشكيل الإقليم تبلورت لدى القوى الوطنية في هذه المحافظات، وهناك قناعة تامة بضرورة تشكيلها وهو "حق شرعي دستوري نص عليه الدستور العراقي".

وتخضع المحافظات التي تسعى لتشكيل هذا الإقليم لسيطرة المليشيات الموالية لإيران إلى جانب القوات الأمنية العراقية، وغالبيتها تعرضت للدمار على يد مسلحي تنظيم داعش الذين سيطروا عليها لأكثر من ثلاث سنوات.

ويعتبر الجنابي سيطرة المليشيات على هذه المحافظات "عائقاً رئيسياً" أمام تشكيل الإقليم المبتغى،  مضيفا "في مقدمة الخطوات الفعلية لتشكيله إجراء الاستفتاء الشعبي لتشكيله، ولا يمكن في الوقت الحالي مع وجود هذه المليشيات، لأن أبناء المحافظات في الغرب والوسط بمثابة أسرى لديها".

"وإيران تحتل محافظاتنا، لذلك لا نستطيع أن نخطو أي خطوة بدون مساعدة المجتمع الدولي وخاصة الدول المؤثرة" يضيف الجنابي.

ويشير إلى أن حل مشاكل العراق وعودة الاستقرار  إليه يكون عبر طريقين: "أولاً، إنهاء العملية السياسية الحالية برمتها ومحاسبة كل المتورطين بالجرائم والفساد، وثانياً، إقامة إقليم وسط وغرب العراق بنظام واحترام كل الطوائف وتطبيق القانون والإصلاح والإعمار".

ويرى الجنابي أن "خير دليل على نجاح الأقليم هي تجربة إقليم كردستان الذي ينعم بالسلام والإعمار".

ويتابع في حديثه لـ"ارفع صوتك": "نحن واثقون أن إقليمنا سيجلب الازدهار والسلام من حيث النظام والأمن واحترام حقوق الإنسان والأقليات وتوفير الأمن".

وتعاني محافظات نينوى والأنبار وصلاح الدين وديالى المحررة قبل سنوات من تنظيم داعش، من الدمار الذي يطغى على غالبية بناها التحتية، ونقص الخدمات، وسيطرة المليشيات الموالية لإيران عليها وتحكمها بالجوانب الاقتصادية والأمنية والسياسية والاجتماعية فيها.

كما تشهد تردياً للأوضاع المعيشية، ما أعاد فكرة إنشاء إقليم فيدرالي خاص بها، للواجهة مجدداً.

 

"سلاح ذو حدين"

في نفس السياق، يقول عبد الوهاب الشمري، وهو أحد وجهاء قبيلة شمر في الأنبار لموقع "ارفع صوتك"، إن "إقليم وسط وغرب العراق له أهمية كبيرة بالنسبة لأبناء هذه المحافظات التي احتلتها المليشيات بحجة ملاحقة داعش، كونه الوسيلة الوحيدة التي يمكنهم من خلالها المحافظة على ثروات مناطقهم، وتوفير حياة أفضل لهم ولأجيالهم القادمة". 

ويضيف أن الإقليم "سيسهم في الحد من مد إيران وأذرعها في العراق والمنطقة والتصدي للمليشيات التابعة لطهران والعمل على إخراجها من محافظات الغرب والوسط".

كما أن إنشاءه "سيوقف كافة المخططات الإيرانية التي أصبحت لا تهدد العراق فقط، إنما جميع دول المنطقة وفي مقدمتها مشروع الطريق الرابط بين طهران والبحر المتوسط المار عبر العراق وسوريا، الذي تسعى إيران من خلاله إلى ابتلاع العراق والمحافظات الشرقية والشمالية من سوريا" حسب الشمري.

وينص الدستور العراقي في المادة (119) على حق كل محافظة أو أكثر، تكوين إقليم بناءً على طلبٍ بالاستفتاء عليه، يقدم بإحدى طريقتين: أولا، طلب من ثلث الأعضاء في كل مجلسٍ من مجالس المحافظات التي تروم تكوين الإقليم، وثانياً، طلب من عُشر الناخبين في كل محافظة من المحافظات التي تروم تكوين الإقليم".

إلا أن محاولات البصرة ومحافظات وسط وغرب العراق لتشكيل الأقاليم الفيدرالية التي بدأت بعد وضع الدستور في عام 2005، لم تر النور حتى الآن واصطدمت برفض الأحزاب الموالية لإيران، التي تسيطر على غالبية مفاصل الحكم منذ ذلك الحين. 

ويقول خطاب الدليمي عضو التجمع الرافض للتوسع الإيراني، لموقع "ارفع صوتك"، إن "مفهوم الشراكة والديمقراطية الموجود في الدستور الذي وضع بعد عام 2003 لا أثر له على الأرض؛ لذلك أصبح لزاماً علينا إنشاء إقليم يجنب أهلنا بطش المليشيات التي يطلقون عليها اسم الحشد الشعبي".

ويشدد الدليمي على أن "أهم نقطة لنجاح هذا الإقليم ولاء سكان المحافظات المنضوية تحته، للإقليم وأهدافه ومبادئه وعدم الارتباط بأجندات خارجية تجعلهم يدمّرون كل شيء".

ويلفت إلى وجود إمكانيات اقتصادية "عالية جداً" للإقليم المبتغى،  تكمن في النفط والغاز والكبريت والفوسفات، فضلا عن المياه والزراعة والثروات الأخرى.

كما سيعود الإقليم "بالخير على العراق والمنطقة والعالم إذا ما تظافرت الجهود المحلية ولاقى تأييداً من المجتمع الدولي" حسب الدليمي.

في المقابل، يخشى المواطن  إبراهيم محمد، من محافظة صلاح الدين، من تعمق المشاكل التي تعاني منها المحافظات المطالبة بتشكيل إقليم وسط وغرب العراق في حال تشكيله.

ويقول لموقع "ارفع صوتك" إن تشكيل الإقليم "سلاح ذو حدين، إذ ستكون تجربة صعبة فيما إذا توسعت عمليات الفساد ونهب الأموال التي يعانيها سكان المحافظات".

"لأن المسؤولين فيها إذا بقوا في السلطة لاحقاً، سيوسعون فسادهم من خلال الصلاحيات التي سيحصلون عليها، بالتالي ستزداد معاناتنا نحن سكان هذه المناطق" يضيف إبراهيم.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.