العراق

أين وصلت مسوّدة قانون مناهضة العنف الأسري في العراق؟  

02 مارس 2021

خاص- بغداد:

’’فضح القاتل والمُعنف، ومن يهدد بارتكاب جريمة القتل هي الوسيلة الوحيد لإنقاذ ضحايا العنف الأسري، التي تسجل حوادثها عادة على أنها سقوط من مرتفع أو شدة خارجية".

هكذا تعلق الناشطة في مجال حقوق الإنسان شدن الجبوري، مشيرة إلى وجود آلاف الضحايا الذين يخشون تقديم الشكاوى.

ووفقاً لما تنشره الشرطة المجتمعية التابعة لوزارة الداخلية من بيانات وأحداث خاصة بالعنف الأسري، فإن العراق يشهد تصاعداً بحالات القتل والعنف الأسري، خصوصاً خلال الأشهر القليلة الماضية. 

وعلى صفحتها الرسمية، في فيسبوك، تنشر الشرطة المجتمعية في العراق، قصصاً عدة، لحوادث عنف أسري، المعتدي فيها قد يكون الأب أو الأم أو زوجة الأب أو الابن (الأخ)، فيما أغلب الضحايا، نساء وأطفال يسعفهم الحظ في الاتصال بالرقم الساخن (497)، قبل أن تتطور الأمور إلى ما لا يحمد عقباه. 

 

"التستر جريمة" 

أثناء بحث "ارفع صوتك" عن معلومات أكثر حول ظاهرة العنف الأسري في العراق، انضم كاتب هذا التقرير إلى غرفة حوار خاصة بهذه القضية، على تطبيق "كلوب هاوس"، يديرها ويستمع فيها قلة من المدافعين عن حقوق الإنسان أو ضحايا العنف.

من بينهم، شدن الجبوري، تقول لـ"ارفع صوتك": "واحدة من أفظع القصص التي مرت عليها هو قيام زوج بتهشيم وجه زوجته  بسبب خلاف عائلي، ما  استدعى نقلها إلى مستشفى الجملة العصبية في بغداد، وما زالت ترقد هناك منذ أيام".

وتضيف "كنت على تواصل مع الضحية، وكنت أنصحها بترك زوجها قبل أن يحدث ما يحدث".

"كانت تقول لي إن لا ملجأ لها سوى بيتها وطفليها، لذا ستتحمل عنف زوجها إلى الأبد"، تتابع شدن وقد بدا على صوتها الحزن والأسف.

وفي قصة أخرى ترويها شدن، تعرضت فتاة للتهديد بالقتل من قبل شقيقها، لكنها ترفض البوح بما يفعل بها.

وتؤكد "نطلب منها باستمرار بالاتصال بالرقم الخاص بالشرطة المجتمعية، وفضح من يهددها حتى إن كان شقيقها، فهو قد يقتلها في أية لحظة، والتستر على مجرم مثل هذا جريمة أخرى". 

ومنذ ثماني سنوات يسعى البرلمان العراقي إلى تشريع قانون يحد من العنف الأسري، كما أن مشروع قانون مناهضة العنف الأسري الموجود حالياً على رفوف رئاسة البرلمان يتعرض إلى هجوم مستمر من قبل فئات مجتمعية عدة. 

وقبل أيام، شهدت محافظة ميسان جنوبي العراق، وقوع جريمتين، ضحاياها ثلاثة أطفال، ورجل.

وفي التفاصيل، قالت قيادة الشرطة في المحافظة إن "رب أسرة تم اعتقاله، بعد هروبه من منزله ومطاردته لأكثر من 60 دقيقة". 

وأوضحت في بيان رسمي "ومن خلال التحقيق معه عن أسباب الجريمة اعترف بوجود خلافات عائلية مع زوجته وقيامه بتعاطي المخدرات، ليقدم على خنق أولاده الثلاثة القاصرين شنقاً حتى الموت ".

وفي يوم حدوث جريمة قتل الأطفال خنقاً، أعلنت مديرية الشرطة "القبض على شخص قام بإشعال النيران في جسد والده وهو نائم في منزله". 

وأوضحت المديرية، أن "الابن قام برش مادة حارقة على ملابس أبيه وإشعل النيران فيه، حيث تدخل الأهالي لإنقاذ الأب وتمكنوا من إطفاء النيران ونقله إلى المستشفى في حالة حرجة". 

وكان رئيس مجلس القضاء الأعلى، فائق زيدان، وجّه قبل نحو عام، المحاكم، بتسهيل إجراءات تسجيل شكاوى العنف الأسري ومعاقبة مرتكبيها. 

وأكد رئيس مجلس القضاء، في بيان، أن "القانون ينص على معاقبة مرتكب جريمة العنف ‏الأسري أياً كانت صفته في الأسرة، إذ لا يوجد مسوغ قانوني أو شرعي يبرر ارتكاب ‏هذه الجريمة مثلها مثل بقية الجرائم التي يعاقب عليها القانون". 

كما وجّه زيدان المحاكم المختصة، بتسهيل إجراءات تسجيل شكاوى العنف ‏الأسري واتخاذ الإجراءات القانونية السريعة والرادعة بحق المعتدين، وتسهيل إجراءات حصول المرأة على حقوقها في موضوع النفقة وحضانة ‏الأولاد.

 

"قنابل موقوتة"

بدوره، يقول عضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، علي البياتي، إن الإحصائيات المتاحة تشير لتزايد ظاهرة العنف الأسري في العراق إلى نحو 50% خلال أيام الحظر الصحي الذي فرضته اللجنة العليا للصحة والسلامة، لتحاشي تفشٍ أكبر لفيروس كورونا وسلالته الجديدة. 

ويؤكد لـ"ارفع صوتك"، أن "مئات الحالات لضحايا العنف الأسري لا يتم توثيقها بمحاضر رسمية".

ويوضح البياتي: "ما ينشر من جرائم بشعة وقتل وتعذيب بين أفراد الأسرة الواحدة، عادة ما يكون مرتكبها أب أو شقيق أو أم بحق النساء أو الأطفال والشباب، هو فقط ما تسجله الجهات الرسمية، وتكشف ملابساته من خلال بيانات وتحقيقات تجريها، لكن هناك عشرات حالات القتل الأسري التي يكتب على لافتة نعي الضحية أنه توفي نتيجة (حادث مؤسف)". 

"وأدت مشاكل الحريات الشخصية، والازمات الاقتصادية، وغياب دور الإيواء الخاصة بالمعنفين والمعنفات، اإلى زيادة كبيرة في أعداد ضحايا العنف الأسري خصوصاً في ظل جائحة كورونا، وما رافقها من إجراءات"، يتابع البياتي. 

 ويدعو عبر موقع "ارفع صوتك"، إلى "ضرورة إصدار قانون وإنشاء مؤسسات خاصة بمن يتعرض لعنف أسري"، محذراً من أن "عدم تحرك الدولة بهذا الاتجاه ينذر بوجود قنابل موقوتة في داخل المجتمع". 

من جهتها، تقول الباحثة الاجتماعية سعاد حسن لـ"ارفع صوتك": "لا يمكن إحصاء عدد ضحايا العنف والقتل الأسري في العراق وخصوصاً جرائم ما تسمى بـ(غسل الشرف أو غسل العار)، فهناك صمت مجتمعي إزاء من يرتكب هذه الأفعال".

"وعلى الدولة أن تقف وقفة جادة ضد من ينتهك القوانين بحجة العُرف أو التقاليد المجتمعية، فالعنف الأسري جريمة ومرتكبها مجرم يجب أن يرمى خلف القضبان". 

 

أين وصل قانون العنف الأسري؟ 

حسب خبراء في الشأن القانوني، فإن الدولة العراقية التي تأسست قبل أكثر من قرن، لا تمتلك إلى الآن، تشريعاً قانونيا خاصاً بـ"العنف الأسري".

وجاء في المادة (41) من قانون العقوبات العراقي "لا جريمة إذا وقع الفعل (الضرب) استعمالاً لحق مقرر بمقتضى القانون ويعتبر استعمالاً للحق، تأديب الزوج لزوجته وتأديب الآباء والمعلمين ومن في حكمهم الأولاد القصر في حدود ما هو مقرر شرعاً أو قانوناً أو عرفاً". 

ومؤخراً، أصدر القضاء العراقي حكما بالإعدام مرتين بحق أم قامت بإلقاء طفليها في نهر دجلة ليلقيا حتفهما غرقا، لينقل مقربون من عائلتها أن الأم قامت بهذا "انتقاماً من زوجها". 

وقال عضوة اللجنة القانونية النيابية، ريزان شيخ دلير، أن مشروع قانون مناهضة العنف الأسري قدم إلى هيأة رئاسة البرلمان منذ أشهر. 

وأضافت دلير إن "هناك عشرات القصص تردنا يوميا عن حالات العنف الأسري غالبيتها تكون تجاه النساء، بالتالي نحن اليوم بأمس الحاجة لتشريع قانون مناهضة العنف الأسري، للحد من هذه الظاهرة". 

وتابعت أن "المرأة تتعرض للتعنيف من قبل زوجها أو شقيقها أو والدها، بالتالي تشريع هذا القانون يوفر لها الحماية من التعنيف".

"وعي المرأة العراقية كبير ونحن نعول عليه في مواجهة العنف الذي يتعرضن له عبر القانون" قالت دلير.

وبينت أن "مشروع القانون قدم إلى هيأة رئاسة مجلس النواب، منذ قرابة ثلاثة أشهر وحتى الآن لم يرسل إلى اللجنة القانونية لدراسته وعرضه على القراءة والتصويت"، لافتة إلى أن "اللجنة عازمة على تشريع القانون".

وصوّت مجلس الوزراء في 4 أغسطس 2020 على مسوَّدة مشروع قانون الحماية من العنف الأسري. 

 في المقابل، توضح عضو مجلس النواب انتصار الجبوري، أنها ليست المرة الأولى التي يُناقَش فيها القانون، بل شهدت الدورات البرلمانية السابقة مناقشته، ووصل لمرحلة التصويت، لكن لم يُصوَّت عليه بسبب الكتل البرلمانية الرافضة له.

وترى الجبوري في تصريح صحافي أن "هذا القانون في حال إقراره سيحد من نسبة العنف، لأنه يعمل على معاقبة مرتكبيه وحماية الضحية".

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.