امرأة تجلس قرب قبر أحد أقاربها من ضحايا الهجوم الكيميائي على حلبجة شمال العراق

يواصل ضحايا السلاح الكيميائي في مدينة حلبجة بكردستان، شمال العراق، حملتهم لمقاضاة الشركات والشخصيات الأجنبية المشاركة بتزويد النظام العراقي السابق بالأسلحة الكيميائية التي استخدمها في قصف المدينة عام 1988.

وقصف النظام العراقي السابق مدينة حلبجة بالأسلحة الكيميائية في 16 مارس 1988، ما أسفر عن مقتل أكثر من خمسة آلاف مدني وإصابة أكثر من عشرة آلاف آخرين، ما زالت غالبيتهم تعاني من مضاعفات الإصابة حتى اليوم، كما تم تشريد عشرات الآلاف مضافاً لهم المفقودون، عدا الأَرار الماديّة.

ورغم مرور 33 سنة على قصف المدينة، ما زال ذوو الضحايا ينتظرون تعويضهم من قبل الحكومة العراقية مالياً ومعنوياً، عمّا لحق بهم من أضرار جراء القصف.

يقول لقمان عبد القادر، رئيس جمعية الدفاع عن ضحايا القصف الكيميائي في حلبجة، لموقع "ارفع صوتك": "بعد عام 2003 عوضت الحكومة العراقية كافة ضحايا النظام السابق ما عدا ضحايا حلبجة وعمليات الأنفال بكافة مراحلها التي نفذها النظام السابق في كردستان، وذهبت كل محاولاتنا بلا جدوى، ولا نعلم السبب؟!".

ويشير  إلى أن جمعيته تعمل حالياً على "مقاضاة الشركات ورجال الأعمال الأجانب الذين زودوا النظام العراقي السابق بالأسلحة بالكيميائية".

ويوضح عبد القادر "سجلنا من خلال فريق محامينا سبعة آلاف شكوى ضد هذه الشركات والشخصيات البالغ عددها 25 شركة وشخصية، وجمع فريق الدفاع المكون من محامين دوليين الوثائق اللازمة التي تدينها".

ويؤكد مساعي ذوي الضحايا من أجل "تشريع قانون في برلمان كردستان يساند جهود محاكمة هذه الشركات، حيث وقع 7000 شخص من الضحايا وذويهم مذكرة لتأييد عملية تشريع القانون".

ويضيف عبد القادر "سنعقد اجتماعاً مع الكتل السياسية في برلمان كردستان بعد عطلة أعياد نوروز؛ لبحث مسودة القانون وإضافة بعض الفقرات، وبذل الجهود للحصول على إجماع كافة الكتل أثناء التصويت للقانون بأسرع وقت".

وأحيا سكان حلبجة، الثلاثاء، الذكرى السنوية لقصف مدينتهم، بتنظيم مسيرة شارك فيها غالبية سكان المدينة وذوو الضحايا، وطالب المشاركون الأطراف السياسية في العراق بالوفاء لسكان حلبجة وتعويضهم عما لحق بهم من أضرار وعدم تهميشهم.

وحسب إحصائيات رسمية صادرة عن جمعية الدفاع عن ضحايا القصف الكيميائي في حلبجة، يبلغ عدد المصابين المسجلين الذين يعانون من آثار القصف الكيميائي حتى الآن في كردستان 972 مصابا، منهم 485 في حلبجة وحدها، فيما توفي 113 مصابا آخر جراء آثار الإصابة منذ عام 2003 وحتى الآن.

ويعتبر هوشمند مراد، وهو عضو جمعية الدفاع عن الضحايا، عدم تعويض ضحايا حلبجة من قبل بغداد "امتداداً للسياسة التي اتبعها نظام صدام حسين بحقهم".

ويقول مراد وهو أحد ضحايا الهجوم، لـ"ارفع صوتك"، إن محاولات الضحايا وذويهم مستمرة منذ عام 2011 عبر البرلمان وقنوات الاتصال مع الحكومة العراقية لنيل التعويضات،.

ويضيف "قدمنا العديد من المذكرات للقادة السياسيين لكن حتى الآن لم نشهد أي خطوة في هذا المجال، وما زالت قضيتنا مهمشة من قبل كافة الأطراف في بغداد".

ويتابع مراد "جلسات محاكمة الشركات ورجال الأعمال الأجانب مستمرة في محكمتي حلبجة والسليمانية، وعقدت حتى الآن 8 جلسات، بعد انتهاء هذه الجلسات وصدور الحكم سيتوجه فريق الدفاع بالحكم إلى محاكم الدول التي تنتمي إليها هذه الشركات والشخصيات لمقاضاتها وتعويض الضحايا".

وسيواصل ذوو الضحايا بعد انتهاء ملف مقاضاة الشركات جهودهم لاسترداد حقوقهم من الحكومة العراقية، مضيفا "بغداد ملزمة بدفع التعويضات لنا فهي تعتبر وريثة النظام السابق ولن ندع حقنا يضيع، خاصة أن مجلس النواب العراقي الزم الحكومة بتعويضنا وكذلك اعتبرت محكمة الجنايات العراقية جريمة قصف حلبجة عملية إبادة جماعية"، حسبما يقول مراد.

من جهته، يؤكد عضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق علي البياتي،  لموقع "ارفع صوتك"، أن قضية استهداف حلبجة "لم تأخذ الحيز الكامل قانونيا وجنائيا من قبل الدولة العراقية والمجتمع الدولي".

والأسباب برأيه أن "صدام حسين حُكم على ضوء قضية الدجيل لذلك أوقفت كل الإجراءات القانونية الأخرى بحقه، بالتالي تم التغافل عن قضية حلبجة وتجاوز كل المتهمين الآخرين والجهات الدولية التي شاركت بإيصال هذه الأسلحة للنظام والجهات التي نفذت الجريمة".

ويرى البياتي أن "تلكؤ لجان التعويض وانشغالها بتعويضات ضحايا الإرهاب، كان سببا في عدم تعويض ضحايا حلبجة حتى الآن، مشيرا إلى أن "ضحايا حلبجة مشمولون بالتعويض حسب قانون مؤسسة الشهداء رقم ٢ لسنة ٢٠١٦".

ويشدد البياتي على أن عدم الاهتمام بقضية حلبجة وغياب المساءلة الحقيقية الوطنية والدولية للجناة حتى الآن أسفر عن استخدام تنظيم داعش للأسلحة الكيميائية عام 2016 ضد سكان ناحية تازة جنوب غرب كركوك.

"وضمن نفس السياق لم يفتح ملف قصف تازة جنائيا وقضائيا أيضا، بالتالي لم يتم مساءلة الجناة حتى الآن" يتابع البياتي.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.