قانون العقوبات العراقي وتأثير غياب الجرائم الإلكترونية
طالب نشطاء حقوقيون مجدداً، بإجراء تعديل على المواد الخاصة بقضايا النشر في قانون العقوبات العراقي النافذ عام 1969، بما يوائم التطور التكنولوجي الحالي.
يقول المحامي عادل حميد لـ "ارفع صوتك" إن "ما ورد بشأن جرائم السب والقذف والتشهير في قانون العقوبات لا يتماشى مع التطور التكنولوجي والمعلوماتي".
ويضيف أن "ارتكاب الجريمة عبر الإنترنت يثير مشكلات قانونية تتعلق بتحديد الاختصاص القضائي والقانون الواجب تطبيقه وكذلك صعوبة تحديد المسؤول عن ارتكاب الجريمة".
ولا تقتصر المشكلات على ذلك فحسب، بل يمكن لأي مرتكب جريمة عبر شبكات الإنترنت إخفاء شخصيته مثل رسائل البريد المجهول أو استخدام خدمة إخفاء الرقم أو إبدال الرقم لمتصلي أجهزة الهواتف النقالة، حسب المحامي حميد.
ويؤكد أن "ضحايا جرائم الإنترنت يواجهون عادة أسئلة عن الجاني، تثير العجز عن إمكانية معاقبته أو الوصول إليه".
"مثلاً من يجزم أن هذا الحساب يعود بالفعل للشخص المتهم بارتكاب الجريمة!؟ خاصة أن هناك نسبة كبيرة من مشتركي مواقع التواصل الاجتماعي لديهم أسماء وهمية. وإذا لم يكن باسم وهمي، كيف نضمن أنه لم يُخترق ويسرق حساب غيره؟" يوضح حميد.
قانون العقوبات العراقي
وجرم المشرع العراقي التشهير أو القذف في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 في مواده (433) و(434) و(438) و(363)، وحدد عقوبتها بالحبس من مدة سنة إلى خمس سنوات كحد أقصى للعقوبة.
وعرفت المادة (433) القذف بأنه "إسناد واقعة معينة إلى الغير بإحدى طرق العلانية من شأنها لو صحت أن توجب عقاب من أسندت إليه أو احتقاره عند أهل وطنه".
وقد عرفت المادة (434) من قانون العقوبات السب، بأنه "رمي الغير بما يخدش شرفه أو اعتباره أو يجرح شعوره وإن لم يتضمن ذلك إسناد واقعة معينة".
وكانت قاضية محكمة جنح الرصافة هند عبد الرزاق أحمد، قالت إن عدد الدعاوى المتعلقة بالجرائم الإلكترونية، التي تصلهم يومياً، تتراوح بين (10-15).
وأضافت أن "هناك حاجة ملحة لتعديل المواد الخاصة بدعاوى القذف والتشهير، لأن قانون العقوبات عام 1969 يشمل المطبوعات كالصحف، ولم يشمل الإنترنت ومواقع التواصل".
وتابعت القاضية أحمد قولها، إن "القضايا الخاصة بدعاوى التشهير عادة ما تحال إلى خبراء قضائيين متخصصين في هذا المجال؛ لبيان فيما إذا كان ما أسند للمتهم يشكل قذفا وتشهيراً من عدمه، ويكون الرأي الذي يقدمه الخبير في الغالب موضع نظر وربما تستند إليه محكمة الموضوع كأساس للإدانة والحكم".
ذريعة "غسل العار"
في نفس السياق، ترى الخبيرة في علم النفس الاجتماعي الدكتورة صبيحة الصالحي، أن خطورة جرائم السب والقذف عبر الإنترنت "مخيفة ولا يتمكن الضحايا من إخفاء تبعاتها أو التخلص منها اجتماعياً، خاصة النساء والفتيات".
وتقول لـ "ارفع صوتك" إن "سرعة انتشار الخبر المسيء عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي في شبكة الإنترنت لا يمكن السيطرة عليه أبداً حتى وإن تمت المقاضاة القانونية".
وتعتقد الصالحي أن "مشكلة جرائم السب والقذف عبر الإنترنت في مجتمعنا بالأساس تتعلق في عدم قدرة أفراده على استيعابها، فالتشهير يستمر ويتم تصديقه وإن كانت المزاعم باطلة".
أما الأمر "الأكثر خطورة" وفق تعبير الصالحي، فهو عندما تكون الضحية امرأة متهمة بإقامة علاقة جنسية، تقول "غالباً ما يشكك الجميع في مصداقية المرأة حتى وإن رفعت دعوى قضائية ونالت حقها في معاقبة الجاني، ستبقى بنظر المجتمع مدانة".
وتبيّن أن النساء "قد يتعرضن لمحاكمات اجتماعية تؤدي إلى تعذيبهن وقتلهن تحت ذريعة غسل العار، كما يحدث دائما عندما يتم فضح امرأة أو فتاة فيسارع أهلها وعشيرتها بقتلها دون التأكد من براءتها".
وتختم الصالحي حديثها بالقول "على المشرع العراقي في هذا الإطار إضافة الإنترنيت في قانون العقوبات العراقي ونص المواد الخاصة به، كما يجب التشديد عليها. لأن الإنترنت أوسع انتشارا من سائر وسائل النشر الأخرى، والإساءة للأشخاص من خلاله لها تأثيرات بالغة الضرر ولا يمكن تجاوزها بسهولة في المجتمع العراقي".