العراق

"كارثة بيئية وتاريخية" تهدد نهري دجلة والفرات

14 مايو 2021

خاص- ارفع صوتك 

يتداول ناشطون ومدونون، عبر صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، منذ أيام صوراً تظهر أثار الجفاف الذي بدأ يضرب نهري دجلة والفرات، اللذين يعتبران شريان الحياة الزراعية في العراق. 

وتحذر الأوساط الزراعية والبيئة من "كارثة بيئية وتاريخية"، إذا لم يتم تدارك ما يحدث في نهري دجلة والفرات، في الوقت الذي تعود موجة الحرائق لالتهام المحاصيل الزراعية، ما ينذر بارتدادات كبيرة تضر بالوضع الاقتصادي في العراق. 

 

إيران وتركيا 

ويحمل مسؤولون وأعضاء في البرلمان العراقي إيران وتركيا، المسؤولية الكاملة، لما يتعرض له نهرا دجلة والفرات، بسبب وقف الإطلاقات المائية، والتسبب بحدوث نزوح لآلاف المدنيين من قراهم، نتيجة الجفاف الذي بدأ يضرب مناطقهم. 

تقول لجنة الزراعة النيابية، في بياناتها ومواقفها الإعلامية، مما يحدث من جفاف في العراق، إن "هناك احتمالية كبيرة عن تعرض نهري دجلة والفرات إلى جفاف بنسبة 50%". 

وتصف اللجنة، هذه الاحتمالية المطروحة بأنها تعد "بداية النهاية لتاريخ هذين النهرين العظيمين". 

وتضيف أن "سد اليسو بخزينه الذي يبلغ ـ 10.4 مليارات متر مكعب، وهي نسبة هائلة، فإنها تضع العراق أمام خيارات صعبة ومصيرية، لذا عليه التحرك الفوري لضمان وصول كميات كافية من المياه، تمنع موت النهرين الخالدين". 

 

الموارد المائية تطمئن  

يقول مستشار وزارة الموارد المائية، عون ذياب، إن هناك تحركات يجريها العراق عبر مستويات رفيعة مع دول إيران وتركيا من أجل اطلاق الحصص المائية الخاصة بالعراق. 

ويضيف ذياب لـ"ارفع صوتك" أن "الوزارة تطمئن الفلاحين وعموم فئات المجتمع العراقي، بأن هناك سعياً حثيثاً من قبل الوزارة لإطلاق الحصص المائية الخاصة بالعراق من قبل الجانب الإيراني والتركي". 

ويتابع "نطمئن العراقيين بأن الحديث عن جفاف نهري دجلة والفرات بشكل كامل أمر مستبعد، لأن الوزارة تضع في نصب أعينها احتياجات العراق للمياه، وهي لديها لجان خاصة تعمل من أجل ايجاد خطة لتوزيع المياه، ومنح المزارع والأراضي الزراعية ما يكفيها من مياه، كذلك تمنع وصول الجفاف إلى مناطق واسعة من العراق". 

 

محافظات في دائرة الخطر 

ويحمل مقداد راضي، المهتم بالشأن البيئي في العراق، "الحكومات المتعاقبة على إدارة الحكم، مسؤولية ما يتعرض له نهرا دجلة والفرات". 

ويقول لـ"ارفع صوتك": "منذ 2003 لم تسع الدولة العراقية، إلى إيجاد سدود كافية، لتأمين حصص العراق من المياه، بل إن الوزارات والحكومات التي تديرها الأحزاب، تحولت إلى دكاكين لجلب الأموال، وإبرام العقود والصفقات الفاسدة، لتترك العراقيين يواجه مصير الجفاف وحده". 

ويتابع راضي، أن إيران التي تدعي تاريخها الطويل من العلاقات مع العراق، "تمنع وصول المياه إليه، وتقتل أراضيه، وهي متهمة أيضاً بما يحدث في المزارع العراقية من حرائق مفاجأة تلتهم آلاف الدونمات سنوياً، لكي يبقى العراق بحاجة إلى الاستيراد منها، بدلا من مساعدته في الوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي".

وهذا الأمر تدركه جيداً كل الحكومات لكنها بشكل أو بآخر "متواطئة" مع ما تفعله الجارة الشرقية بحياة العراقيين الاقتصادية والبيئية، على حد تعبير راضي.

وفي ديالى المحافظة الحدودية مع إيران، أعلن اتحاد الجمعيات الفلاحية إلغاء خطة الاستزراع الصيفي في 80% من مناطق المحافظة. 

ويؤكد الاتحاد أن "محافظة ديالى لديها مشكلة كبيرة في تأمين المياه لدعم خطة الاستزراع الصيفي ضمن أنهر حوض ديالى التي تشكل 80% من المناطق الزراعية في المحافظة". 

وتتحدث اللجنة أيضاً عن "قرب تضرر نحو سبعة آلاف فلاح بسبب نقص المياه في انهر المحافظة، بسبب السياسية المائية الجديدة التي تتبعها إيران".  

وبحسب خبراء، فإن محافظة ديالى، تعتمد على سقي أراضيها ومنح مياه الشرب لسكانها بنسبة 70% من بحيرة حمرين، التي تواجه كارثة الجفاف القريب.  

ويطالب راضي، الحكومة العراقية، بـ"استخدام الملف الاقتصادي كورقة ضغط على إيران وتركيا خلال التفاهم بشأن الإطلاقات المائية". 

ويشير إلى أن مدن الجنوب العراقي، وأراضيها وسكانها، "مهددون بجفاف كبير، سيحول المحافظات إلى أراض قاحلة، في حال استمرار بغداد إهمالها لهذا الموضوع الكارثي، الذي يؤدي إلى اختفاء أراض زراعية بأكملها، كما يهدد بعمليات نزوح جماعية".

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.