العراق

جدل عراقي.. "يسقط رأس أبو جعفر المنصور أو لا يسقط؟"

09 يونيو 2021

خاص- ارفع صوتك

يربط العراقيون عادة، الكثير من الدعوات الاجتماعية والدينية التي تطلق بين الحين والآخر بـ"المتغيرات السياسية"، وبالذات تبرز الدعوات كلما قرب موعد إجراء الانتخابات.

وبحسب ناشطين فإن "الأحزاب تطلق جيوشها الإلكترونية للتحشيد الطائفي والمذهبي والعرقي لحصد أكبر عدد من الأصوات للإبقاء على نفوذها". 

ومنذ عام 2003، يمر العراقيون بموجات متعددة من الدعوات الدينية والمذهبية المتطرفة، عادة ما يقف وراءها أحزاب سياسية تستغل العاطفة الدينية والعقائد المتعددة لدى المواطنين لخدمة أجندات داخلية وخارجية. 

 

 

رأسه "مطلوب"  

وكغيره من المعالم والرموز العراقية، تعرض تمثال أبو جعفر المنصور بعد 2003 للتخريب والسرقة، وتم تفجير قاعدته كليا، فيما أعيد نصبه مرة أخرى عام 2008.  

لكن، ورغم مرور مئات السنين، على وفاة الخليفة العباسي، إلا إن مجاميع أطلقت بلا هوادة دعوات لإزالة تمثاله الذي شيد خلال سبعينيات القرن العشرين، على يد النحات العراقي خالد الرحال.  

مطلقو دعوات إزالة تمثال أبو جعفر المنصور، من منطقة المنصور الواقعة غربي بغداد، التي سميت على اسمه، جاءت إثر استذكار ذكرى وفاة سادس أئمة الشيعة الاثني عشرية (جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب)، التي تقول المرويات التاريخية إنه قتل بقرار من الخليفة العباسي الثاني أبو جعفر المنصور. 

كما أن مطلقي وسم #يسقط_صنم_المنصور، في مواقع التواصل الاجتماعي، يرون أنه "لا يمكن اختزال تاريخ بغداد بشخصية مثل المنصور"، متهمين كل من يقف ضد دعوات إزالة رأسه (التمثال) من بغداد "يضمر حقداً طائفياً" ضد العراقيين الشيعة الموالين لنهج الإمام جعفر الصادق الذي قتل علي يد المنصور، وفقاً لما نشر عبر منصات داعمة لإزالة التمثال.  

وأبو جعفر عبد الله المنصور بن مُحمد بن عَلي، كان الخليفة العباسي الثاني، والمؤسس الحقيقي للدولة العباسيةِ، وباني بغداد عاصمة الدولة العباسية، وعلى شكل دائري بنى المنصور مدينة بغداد وأطلق عليها اسم مدينة السلام. 

 

حماية مشددة لـ"رأس المنصور"

بالفعل وبعد تصاعد دعوات إزالة تمثال المنصور، تجمع عدد من الأشخاص وأحاطوا به رافعين لافتات تدعو إلى إزالة رأسه والثأر للإمام الصادق وبقية الأئمة الاثني عشرية.  

وحين بدأت الأعداد بالتجمع قرب تمثال المنصور، طوقت قوة مشتركة من الجيش العراقي ومكافحة الشغب التمثال، وفرقت التجمع. 

كما انتشرت قوة من حفظ النظام في محيط التمثال، وسط إجراءات مشددة لحمايته. 

 

تعليق سياسي 

بدورها، أكدت وزارة الثقافة العراقية، أنها لم تتلق أي طلب رسمي، من أي جهة رسمية، لإزالة التمثال من مكانه في منطقة المنصور، وفقاً لتصريح أحمد العلياوي المتحدث باسم الوزارة. 

من جهته، قالت المتحدثة باسم "ائتلاف النصر" آيات مظفر، إن "على من يدعو لإزالة التماثيل واستفزاز مشاعر المواطنين، طرح حملة لإعمار بغداد، وإعادة تأهيل معالمها".  

وأضافت "العاصمة بغداد بحاجة إلى أمور أكثر أهمية، ورغم الجهد المبذول من أمانة بغداد، إلى أنها تحتاج طريقة مناسبة لإيلاء الاهتمام بشواخصها، وليس عبر طرح موضوع إزالة التمثال، إنما التوجه إلى إعمار بغداد". 

"وإزالة هذا المعلم، لا يضيف شيئاً إلى بغداد"، تابعت مظفر.

 

"أحزاب تريد إشعال بغداد"

بينما تواصل قنوات وإذاعات ومواقع اتحاد الإذاعات والقنوات الإسلامية المعروفة بولائها وتوجهها، دعمها للدعوات وتصوير الأمر على أنه مطلب شعبي، جاءت ردود العراقيين بصورة كبيرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتصغر من حجم القضية وترجعها إلى الجهات المستفيدة منها. 

يقول أبو نور (65 عاماً)، من منطقة باب الشيخ في بغداد "أمر مضحك ما تحاول الجهات الولائية فعله في بغداد، والمضحك أكثر هو وجود أعداد لا بأس بها من المتأثرين بما يروجون له". 

ويضيف لـ(ارفع صوتك): "في حياتي لم أطلع على هكذا دعوات، وطوال سنين تواجدي في بغداد، لم أفكر يوماً بأن جمعاً من الشباب المغرر بهم يريد هدم تمثال". 

"من أوصلنا لهذه المرحلة يدرك جيداً أنه كلما اقتربت الانتخابات لا سوق أصلح من سوق الطائفية وإذكاء المذهبية الدينية للكسب السياسي، فتخويف الشيعة بأن قتلتهم سيعودون للسلطة هو السبيل الوحيد للضحك على المستضعفين، ممن لا يعرف حجم اللعبة السياسية"، يضيف أبو نور.

في نفس السياق، يقول الناشط صالح الدليمي (38 عاماً)، لـ"ارفع صوتك"، إن الأساليب الطائفية "لم تعد نافعة في بغداد، فالناس فهموا اللعبة، وعرفوا من يحرك دماءه لإشعال الطائفية في الغرب والوسط والجنوب، ومن يحاول إيجاد مبرر للتصعيد الطائفي قبل الانتخابات". 

أما الموظفة الحكومية إقبال السعدي (52 عاماً)، فتعلّق على الحادثة بقولها "خلال تجولي في دوائر الدولة وفتح أحاديث مع مواطنين وموظفين، وجدت بالفعل أن هناك من يتأثر بالماكنة الإعلامية التي تديرها الأحزاب السياسية للإبقاء على نفوذها في العراق". 

وتبدي السعدي "خشيتها من أن يأخذ موضوع هدم تمثال أبو جعفر المنصور أكبر من حجمه ويتحول إلى قضية رأي عام تتصادم فيه الآراء، أو جبهة للصراع السياسي والمجتمعي، ويحدث ما لا يحمد عقباه".

وتشير لـ"ارفع صوتك" مشيرة إلى أنها "تتأمل من العراقيين أن يكونوا أكبر من اللعبة السياسية التي تحاك ضدهم، وأن يفهموا أن هناك من يريد إشعال بغداد بالاغتيالات وعمليات الاختطاف والدعوات المبنية على أسس طائفية ومذهبية بأبعاد دينية وتاريخية". 

 

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.