العراق

مرقد الإمام أبو حنيفة واللعب على وتر الطائفية في العراق

16 يونيو 2021

خاص- ارفع صوتك

تطفو على وجه المشهد السياسي في العراق بين الحين والآخر، ونتيجة الصراعات السياسية القائمة منذ سنوات، محاولات لإذكاء العنف الطائفي من جديد، ربما أحدثها الدعوات المحرضة على هدم مرقد الإمام أبي حنيفة النعمان، الواقع في جامع "الإمام الأعظم" شمال العاصمة بغداد.

 

من هو الإمام أبو حنيفة؟ 

ولد أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن مرزبان الكوفي عام 699 ميلادية، ووفق التقويم الهجري عام 80.

يقول المتحدث باسم دار الإفتاء العراقية عامر البياتي لـ"ارفع صوتك"، إن الإمام أبا حنيفة "فقيه وعالم مسلم وأول الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وصاحب المذهب الحنفي في الفقه الإسلامي".

"واشتهر بعلمه الغزير وسعيه الدؤوب إلى طلب العلم، ولقي عددا من الصحابة أمثال أنس ابن مالك، وروي عنه الحديث، وعبدالله ابن مسعود. كما عرف عنه الورع والتقوى، معتمداً في فقه على ست مصادر هي القرآن الكريم والسنة النبوية والإجماع والقياس والاستحسان والعرف والعادة" يضيف البياتي.

ويتابع أن الإمام "نشأ في مدينة الكوفة التي اشتهرت بالعلم وتضم أغلب العلماء، وانخرط منذ صباه في حلقات الدرس والمذاكرة، حتى تولى سنة 120 للهجرة وبعد وفاة شيخه رئاسة حلقة الدرس من بعده في مسجد الكوفة، وأخذ يدرس تلاميذه ما يعرض له من الفتاوى، حتى وضع تلك الطريقة الفقهية التي اشتق منها لاحقا المذهب الحنفي".

وحسب البياتي، فإن المصادر الإسلامية التي تناولت حياة الإمام أبي حنيفة، أشارت إلى امتناعه عن تولي القضاء إبان حكم الخلفية العباسي أبو جعفر المنصور، وحبس على أثر ذلك حتى توفي عام 150 للهجرة، عن عمر يناهز 75 عاما، ليدفن في مقبرة الخيزران ببغداد، ويبنى جوار قبره الجامع الذي يعرف الآن بجامع أبي حنيفة النعمان.

ويتفق العديد من الباحثين المتخصصين في مجال الدراسات الإسلامية، على أن الإمام أبا حنيفة، واحد من العلماء الذين انقطعوا إلى دراسة الفقه والعلوم الإسلامية المختلفة.

يقول الباحث الإسلامي فائز الشرع، إن "النعمان كان من المناصرين للثورة التي قام بها الإمام زيد ابن علي ابن الحسين خلال الحكم الأموي، وأحد الذين جمعوا التبرعات وأيدوا هذه الثورة، فضلا عن علاقته الوطيدة بالإمام جعفر الصادق ومراجعته في أغلب المسائل الفقهية، حتى قيل إنه تتلمذ على يده".

 

من يقف وراء دعوات هدم مرقده؟

ووصف الشرع في حديثه لـ"ارفع صوتك" الدعوات لهدم مرقد الإمام أبي حنيفة، بأنها "لا تمت للإسلام بصلة، وذات طابع آيديلوجي".

كما أن هدفها "إعادة إحياء النعرات الطائفية في البلاد من جديد، وربما ترتبط بالجو السياسي العام، بحيث تقف وراءها جهات سياسية لا تريد الخير للبلاد"، وفق ما يرى الشرع.

ويوضح أن "المرجعية الدينية (الشيعية) في النجف أكدت في أكثر من مناسبة على حُرمة التعدي على الأضرحة والمراقد والمساجد العائدة إلى مختلف المذاهب، ووقفت بوجه التهديدات التي طالت في وقت سابق  مرقدي الإمام أبي حنيفة والشيخ عبد القادر الكيلاني".

"بالتالي فإن هذه الدعوات لا تمثل مذهباً أو طائفة بعينها، إنما صدرت عن جهات تحاول زعزعة الأمن والاستقرار، وتهديد السلم المجتمعي"، يتابع الشرع.

 

الصراع السياسي والمقدسات

تعد حادثة تفجير ضريح الإمامين العسكريين في سامراء عام 2006 واحدة من العلامات البارزة على تصاعد وتيرة العنف في العراق، التي اعتمدت على فكرة زج المقدسات والرموز الدينية في إذكاء الصراعات الرامية إلى زعزعة الأوضاع السياسية والأمنية في العراق.

يقول الباحث في علم الإنسان (الأنثروبولوجي) وليد عليوي، إن "إطلاق الدعوات المحرضة على المساس بالرموز والمقدسات الدينية، محاولة لاجترار ذات الخطاب الطائفي الذي شهده العراق منذ سنوات (2006-2008)، وتهدف إلى الحط من قيمة المقدس لدى الآخر والنيل من الجماعات المؤمنة به، بسبب الاختلاف العقائدي أو الفكري للجماعات التي تغالي بالتطرف ونبذ الآخر المختلف عقائدياً ومذهبياً". 

ويضيف لـ"ارفع صوتك: "الشحذ الطائفي وزج المقدس في الصراع الطائفي، عملية فاعلة في المشهد الساسي العراقي، لأن العملية السياسية بنيت على أساس دولة المكونات، ما يناقض مفهوم المواطنة القائمة على أساس التنوع وقبول الآخر المختلف".

ويجد عليوي أن التطور الحاصل في وعي المجتمع العراقي قياسا بالسنوات السابقة "كفيل بعدم التأثر أو الانسياق لهذه الدعوات التي تنطلق بين الحين والآخر".

"فالكثير من العراقيين يدركون أن إقحام المقدس في الصراع السياسي، ليس من أجل المقدس نفسه، بل لتوظيفه من أجل المصالح السياسية لبعض القوى، التي عجزت عن إيجاد الحلول للمشكلات التي تواجه البلاد، فلجأت لمحاولة إعادة الخطاب الطائفي، الذي قد يجر البلاد إلى حرب طائفية مرة أخرى"، يتابع عليوي.

الاستمالة العاطفية والسلطة 

في نفس السياق، يقول الباحث في علم الاجتماع حسن حمدان لـ"ارفع صوتك)"، إن القوى السياسية المتصارعة بشكل محموم للوصول إلى السلطة "اعتمدت على إشاعة الثنائيات الجدلية التي تقود إلى الاختلاف الفكري والعقائدي بين البسطاء من أفراد المجتمع العراقي واستغلالها لتعميق الخلاف المجتمعي، واستمالة هذه الشريحة الواسعة من الناس الذين يعتقدون بدورهم بان هذه القوى المتصارعة تمثل انتماءاتهم الفكرية أو المذهبية".

"بيد أن هذه الاستمالات لا تمثل سوى الجهات التي تعمل على ترسيخها، وتحقق في نهاية المطاف مصالحها بالوصول إلى السلطة من خلال قاعدة مجتمعية نجحت هذه القوى في استمالتها عاطفياً"، يضيف حمدان.

من جهته، يقول المحلل السياسي علي البيدر، إن "العديد من القوى السياسية في العراق تحاول ومع قرب أي مناسبة سياسية مفصلية مثل الانتخابات، استيراد أزمات ذات عمق تاريخي، وتسويقها للجمهور الخاص بها".

ويتم هذا التسويق حسب البيدر "عبر صناعة عدو افتراضي يهدد أمن ووجود هذا الجمهور، بالتالي فإن الدعوات الأخيرة التي حرضت على هدم مرقد الأمام أبي حنيفة النعمان تأتي في هذا الإطار، وهي  محاولات واضحة لإعادة الطائفية والاتكاء على المذهبية".

وكانت منطقة الأعظمية وسط العاصمة بغداد، شهدت خلال الأيام الماضية انتشارا أمنياً، على خلفية الدعوات التي حرضت على هدم مرقد الإمام أبي حنيفة، ما أيقظ مخاوف العراقيين من حرب طائفية جديدة.

وسائل إعلام محلية وناشطون عراقيون نشروا صورا تظهر عددا من رجال الأمن وهم يجلسون أمام السور الخارجي للمرقد
بعد دعوات لهدمه.. انتشار أمني قرب مرقد "أبو حنيفة" في بغداد
شهدت منطقة الأعظمية في بغداد، السبت، انتشارا أمنيا مكثفا في محيط مرقد الإمام أبو حنيفة النعمان، على خلفية ظهور دعوات على مواقع التواصل الاجتماعي من جهات مجهولة متطرفة لهدم المرقد الذي يحظى بالقدسية لدى المسلمين السنة في العراق.

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.