أعضاء في عشائر عراقية يحملون الأسلحة - صورة تعبيرية
أسلحة مرفوعة خلال عراضة عشائرية- تعبيرية

خاص- ارفع صوتك

"لم أعد اطيق هذه المدينة.. النساء هنا تقتل لأنها ترفض الزواج أو لأنها تريد أن تتزوج، فتيات وأطفال ضحايا مساكين لجرائم ترتكب باسم العرف والتقاليد"، تقول جنان الجنابي من النجف جنوب غرب العاصمة العراقية بغداد.

وفي محافظة النجف، قتلت فتاة تبلغ من العمر 17 عاماً، على يد أبناء عمومتها بسبب "النهوة العشائرية". 

يقول المحامي صفاء العنبكي، لـ"ارفع صوتك" إن "المحاكم والبيوت العراقية تضج بقصص مروعة وكارثية، عن حالات انتحار وقتل بسبب النهوة العشائرية". 

ويؤكد العنبكي أن "كل الإجراءات الحكومية والقوانين التي أصدرها مجلس القضاء الأعلى "لم تؤت ثمارها في الحد من تلك الحالات المأساوية أو حتى تجحيمها، كونها تعتبر لدى بعض العشائر موروث مقدس لا يمكن أبداً المساس به أو إلغائه". 

وكان مجلس القضاء العراقي الأعلى، جرّم النهوة العشائرية خلال السنوات الماضية. والمتصفح لموقعه الإلكتروني، سيلحظ أخباراً تفيد القبض على متهمين بارتكاب هذه الجريمة، وإصدار أحاكم بالسجن لسنوات عليهم. 

وفي يوليو 2019، وجه ‏مجلس القضاء كافة المحاكم بتشديد الأحكام عن جريمة "النهوة العشائرية " واعتبر التهديد فيها فعلا إرهابياً ‏يحاسب بموجب قانون مكافحة الإرهاب.‏

و"النهوة"عرف عشائري قديم يكره بموجبه الذكر أو ‏الأنثى من الأقارب على الزواج أو يمنعه منه، مستندا إلى رابطة القرابة والانتماء العشائري ‏بداعي عدم زواج الإناث إلا من أقاربهن وقد يقترن ذلك بالتهديد أحياناً.‏

وجاء في بيان المجلس "أخذت النهوة منحىً خطيراً في الآونة الأخيرة، إذ أكد قضاة أن عددا من القضايا لم تقتصر على التهديد والوعيد، بل وصلت إلى استخدام الأسلحة ‏من أجل منع زواج امرأة من رجل ليس من القبيلة نفسها، ولم يعد هذا العمل مقتصرا على المناطق ‏الريفية والبدوية، بل انتشر في الكثير من محافظات العراق لاسيما الوسط والجنوب منه".

"وتفاعلا مع هذه العادات الدخيلة التي أضحت تنمو وتهدد المجتمع، أصدر مجلس القضاء الأعلى قراره الفصل بتشديد عقوبة النهوة ‏العشائرية وقرنها بالإرهاب، وفق المادة الثانية من قانون مكافحة ‏الإرهاب رقم (13) لسنة 2005، التي تنص على أن التهديد الذي يهدف إلى إلقاء الرعب بين ‏الناس أياً كانت بواعثه، يعد من الأفعال الإرهابية" تابع البيان.

وأكد أن "تشديد العقوبة على مرتكبي هذه ‏الجريمة هو أمر واقع تقتضيه الظروف الحالية بغية القضاء على هذه الظاهرة المتأصلة ‏جذورها في المجتمع دون سند اخلاقي او اجتماعي او ديني أو قانوني" بحسب قرار القضاء.‏

وقبلها بعدة شهور، أعلنت عشائر عدة في محافظات عراقية تجريمها للنهوة العشائرية، كما حصل في الأنبار غرب العراق.

 

رغم التجريم.. مستمرة

وعمّا تشهده بعض مناطق العراق من حوادث مماثلة لفتاة النجف، يقول المحامي العنبكي، إن "النهوة مثل قاتل متخف لا يمكن إيقافه إلا بتشكيل لجان مشتركة بين الأمن والشرطة المجتمعية وحقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني". 

وفي محافظات البصرة وميسان وذي قار والمثنى والديوانية وحتى بغداد، تحدث حالات مماثلة لما جرى مع فتاة النجف التي قتلت على يد أبناء عمومتها، حسب العنبكي.

ويتابع "بحكم عملي، شهدتُ الكثير من الطالبات الجامعيات وربات البيوت والموظفات اللاتي حرمن من الارتباط والزواج طيلة حياتهن بسبب النهوة، التي باتت مثل جائحة تنتشر بين البيوت في المناطق ذات الطابع العشائري المتطرف". 

ومن إحدى المناطق في محافظة النجف التي شهدت جرائم سببها النهوة، تقول المدرسة جنان الجنابي (52 عاماً) "رغم كل ما يكتب في فضاء مواقع التواصل الاجتماعي، والتحولات الاجتماعية والثقافية في العراق، وتطور القضاء والمحاكم ووجود سلطات معنية بمحاسبة العنف المجتمعي والأسري، إلا أن النهوة العشائرية ما زالت تأخذ ضحاياها إلى المجهول حيث تقتل الفتيات أو يبقين بلا زواج طيلة حياتهن".

وتناشد عبر "ارفع صوتك" المرجعيات الدينية، ومنظمات المجتمعي المدني، والجهات ذات العلاقة بمتابعة ما تتعرض له الفتيات في المجتمعات العشائرية من أذى وتعنيف وإهانة، وحتى إذلال، بسبب هذا العُرف.  

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.