العراق

محاكمة مسلحي داعش في العراق: قانون الإرهاب أم الإبادة الجماعية؟

دلشاد حسين
07 يوليو 2021

أعلنت وزارة العدل في حكومة إقليم كردستان، الأحد الماضي، أن المحكمة الاتحادية العليا رفضت طلباً تقدم به الإقليم لتشكيل محكمة مختصة بجرائم تنظيم داعش. 

ونقل البيان عن وزير العدل بحكومة الإقليم فرست أحمد قوله، إن "الوزارة ستراجع قرار المحكمة الاتحادية مع الجهات ذات العلاقة في الإقليم وسيكون لها جواب على القرار.

وأضاف "من الناحية القانونية لا يمكن الطعن بقرارات المحكمة الاتحادية العليا، لكن الفرصة لا تزال سانحة للتعبير عن رأينا".

من جهتها، تقول الناجية الأيزيدية شيرين خيرو، إن رفض المحكمة الاتحادية تشكيل محكمة خاصة لمعاقبة مسلحي داعش "يثير الكثير من التساؤلات حول نية الحكومة العراقية محاكمة مسلحي التنظيم على جرائمهم".

وعبر "ارفع صوتك"، تطالب خيرو "بتشكيل محاكم خاصة تعاقب هؤلاء المجرمين على جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبوها وليس كإرهابيين فقط".

"لأنهم أبادونا عن سبق إصرار وتخطيط مسبق. وهذه المحاكم ضرورية لمستقبل الشعب العراقي بأكمله وليس فقط الأيزيديين والأقليات الأخرى المتضررة"، تتابع خيرو. 

وترى أنه من "واجب الحكومة العراقية تقديم هؤلاء المجرمين إلى العدالة كنوع من جبر الضرر وإعادة كرامة الأيزديين بشكل عام والمرأة الأيزدية بشكل خاص".

 

"غير جائز وفق الدستور"

ويخشى الأيزيديون والمسيحيون والتركمان والأقليات الأخرى التي تعرضت لحملات إبادة جماعية على يد مسلحي داعش، من أن يفلت مسلحو التنظيم؛ لأن المحاكم العراقية تحاكمهم حالياً حسب قانون مكافحة الإرهاب وليس الإبادة.

في هذا السياق، يقول رئيس المنظمة الأيزيدية للتوثيق حسام عبدالله "رغم تأكيدنا على جدية وصحة قرار المحكمة الاتحادية العليا أنه لا يجوز وفق الدستور تشكيل محاكم خاصة لكن هذا الخيار لا يعني أن تتنصل المحكمة الاتحادية والحكومة العراقية عن مسؤولياتها أمام المجتمع العراقي والمجتمع الدولي والضحايا وذويهم".

ويضيف لـ"ارفع صوتك":  "في المقابل لا يمكن تسويف الجرائم باعتبارها محلية، وما ارتكب ضد الأيزيديين وبقية الأقليات وجريمة سبايكر، جميعها جراائم إبادة جماعية".

ويشير عبدالله إلى أن محاكمة مسلحي التنظيم وفق قانون مكافحة الإرهاب لا يعني إعطاء استحقاقات الضحايا، موضحاً "الجرائم التي ارتكبها التنظيم هي جرائم إبادة جماعية ولا يوجد توصيف قانوني في قانون العقوبات العراقي لها، بالتالي لا بد من إيجاد محكمة عراقية بتعاون دولي أو محكمة دولية لمحاكمة عناصر داعش".

ويرى مدير فرع مركز لالش الثقافي والاجتماعي في أربيل، عزيز شركاني، أن الحكومة العراقية "لا تريد إقامة أي محاكم خاصة لمحاكمة إرهابيي داعش، أو حتى إجراء تحقيق دولي في هذا الشأن".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "هناك قوى سياسية تتحكم بقرارات المحكمة الاتحادية، لا تريد أن يكون هناك تطرق دولي لجرائم الإبادة التي نفذها داعش ضد العراقيين، لأن التحقيق في هذا الملف على المستوى الدولي قد يستدعي الكثير من القادة العراقيين إلى المحاكم الدولية".

من جانبه، يعتبر عضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان علي أكرم البياتي، أن قضية المساءلة أو العدالة الانتقالية التي تشمل المساءلة وجبر الضرر ثم المصالحة المجتمعية وأخيرا الإصلاح المؤسساتي من أبرز واجبات الدولة بعد مرحلة تحرير المناطق التي سيطر عليها داعش.

ويؤكد لـ"ارفع صوتك": "لا يمكن تقبل مسألة محاكمة مسلحي داعش باعتماد جهود داخلية فقط والاعتماد على قانون مكافحة الإرهاب، لأن ما حدث كان حرباً ونزاعاً مسلحاً بين المجتمع العراقي وعصابات تشكلت وجاءت عبر الحدود ولها امتدادات دولية".

"بالتالي هناك مسؤولية على المجتمع الدولية في هذا الموضوع، ولابد أن تكون المحاكمات لجرائم دولية وجرائم إبادة جماعية" حسب البياتي.

ويحدد عدة خيارات بإمكان العراق اعتمادها للبت في جرائم مسلحي التنظيم، وهي "إما أن يطالب العراق مجلس الأمن بتشكيل محاكم دولية لمحاكمة مسلحي داعش، أو ينضم رسمياً إلى المحكمة الجنائية الدولية، كي تقوم بالتحقيق في هذه الجرائم ومحاكمة مسلحي داعش العراقيين وغير العراقيين، أو تشريع قانون خاص بجرائم داعش، ومحاكمتهم عبر قضاة عراقيين".

ويبيّن البياتي أن بإمكان العراق "اعتماد المحكمة الجنائية العليا التي حاكمت رؤوس النظام السابق وشهدت التحقيق في مثل هذه الجرائم"، لافتاً إلى إشكالية واحدة تتمثل في أن قانون تشكيل المحكمة نص على أنها تشمل كافة الجرائم المرتكبة حتى مايو 2003،  لذلك هناك حاجة إلى تعديله لتشمل المحكمة ما بعد عام 2003 وتتمكن من محاكمة مسلحي التنظيم.

دلشاد حسين

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.