العراق

حملة إزالة التجاوزات في بغداد.. مئات المتضررين "تعرّضوا للخداع"

01 سبتمبر 2021

خاص- ارفع صوتك

تعيش عشرات الآلاف من العائلات التي تتخذ من العشوائيات والمناطق الزراعية مناطق لسكنهم الدائم، حالة من الخوف الشديد، نتيجة إطلاق حملة لإزالة التجاوزات ورفعها في مختلف محافظات البلاد. 

واللافت في الأمر، وصول الجرافات الخاصة بهدم المنازل والأبنية المتجاوزة إلى مناطق لا يعلم سكانها أنهم متجاوزين على أراضي الدولة.

يقول سامي عمر، مختار إحدى الأحياء السكنية في منطقة الجمعيات في بغداد "رغم أنني أحد المسؤولين المحليين، لكني لم أكن أعرف أن حي الغريري وحي طارق شمال بغداد، ومناطق أخرى تحتوي على عشرات آلاف المنازل، بنيت على أراض تابعة للدولة". 

ويضيف لـ"ارفع صوتك": "محلات الدلالية ومنذ عام 2003، تبيع وتشتري تلك الأراضي تحت عنوان (زراعي/ طابو) أو (زراعي حكومي)، وكل المشترين يمضون عقود شراء الدور وبيع الأراضي السكنية في تلك المناطق وفق هذا البند".

"إلا أننا أُبلغنا مؤخراً، من قبل دائرة بلدية الشعب، بوجود الكثير من البنايات والمحلات السكنية المتجاوزة على أراضي الدولة، وتجب إزالتها"، يتابع عمر.

عامر ضياء (54 عاماً)، صاحب أحد هذه المباني، وتم تبليغه بأنه مشمول بـ"خطة البلدية لإزالة التجاوزات".

يقول "أنا مستعد لكي أُقتل أمام البناية لمنع آليات البلدية من هدم طابوقة واحدة"، مشيراً في حديثه لـ"ارفع صوتك"، إلى بناية قريبة تعود له، وتحتوي على محلات لبيع الخضار وصيدلية ومكوى ومقهى شبابي.

ويوضح عامر "بعد سقوط النظام السابق عام 2003، عرض علي أحد أصدقائي شراء الأرض التي شيدت عليها البناية، وأبرم العقد بحضور شهود من أحد المتنفذين الذي أكد أن الأرض تعود لعائلته، وكانت محجوزة لدى النظام السابق لأنه كان ينتمي لحزب إسلامي شيعي آنذاك، وتم العقد". 

ويضيف بحُرقة "لقد ضحك عليّ.. دفعت عشرات الملايين لإقامة مشروع يعيل عائلتي ويوظف أبناء منطقتي، وبعد كل هذه السنين تفاجأت بأني والعشرات غيري نكسب رزقنا من أرض حرام". 

 

"متنفذون يقسمون مناطق بغداد" 

أحمد جميل، الموظف في المجلس المحلي لقضاء الفحامة الذي يشمل أحياءً واسعة من بغداد، يقول لـ"ارفع صوتك"، إن "الكثير من الناس تم خداعهم، فهناك متنفذون استولوا بالقوة على أراض زراعية متروكة واسعة من بغداد، خصوصاً في مناطق شرق القناة، وافتتحوا مكاتب بأختام وعقود جاهزة لأغراض البيع والشراء". 

ويوضح: "قاموا بتقسيمها، ومن خلال دفع أموال طائلة لبعض المسؤولين في الوزارات الخدمية، وسطوتهم على المناصب المهمة فيها، جلبوا إليها الماء والكهرباء وأسسوا لأنابيب كبيرة لأغراض الصرف الصحي، ربطوها بالمبازل المنتشرة وجداول القناة المخصصة لسحب مياه الأمطار". 

البسطاء من المواطنين ومن يبحث عن مكان يؤويه يخلصه من شبح الإيجارات والتنقل من منزل إ آخر، فضلوا  الشراء في هذه الأحياء، رغم علم بعضهم بأنها ليست أصولية، لكنهم حين ينظرون لتأسيس بنى تحتية يتصورون بأن لا أحد سيحاسبهم، كونها تمت بموافقات رسمية"، يتابع جميل.

ويبين "بعد إطلاق حملة عبير لإزالة التجاوزات، ضجت دوائر البلدية في مختلف مناطق بغداد وحتى في المحافظات الأخرى، بمئات المواطنين يومياً ممن يشتكي للدولة ممن باعهم تلك الأراضي، وأنهم تعرضوا للخداع". 

ويؤكد جميل أن "الأختام المزورة، والفساد، والتهديد والابتزاز، والمحاصصة، هي ما  أوصل المنتفعين إلى المناصب المهمة، وأنتج خراب بغداد الحالي وتحولها إلى عاصمة للعشوائيات والتجاوزات، التي لن تستطيع الدولة بكل قوتها إزالتها، كونها ستضطر لمواجهة أحزاب وفصائل وجهات مسلحة معروفة لدى الجميع". 

ويوم الأحد الماضي، أعلنت خلية الإعلام الأمني عن تحريك قيادة عمليات بغداد دعوى قضائية ضد نائب وحمايته منعوا كوادر بلدية الدورة القيام بعملها. 

وذكر البيان الذي اطلع عليه "ارفع صوتك"، أن "قيادة عمليات بغداد تابعت ما نشر في مواقع التواصل الاجتماعي بشأن قيام أحد أعضاء مجلس النواب وحمايته بمنع كوادر بلدية الدورة في العاصمة بغداد من إزالة التجاوزات والاعتداء عليهم". 

وأضاف "تم الإيعاز إلى القيادة بتحريك دعوى قضائية ضد النائب وحمايته، واتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم لتقديمهم للقضاء"، مبيناً أن "قوة من الفرقة 17 بالجيش العراقي قامت بمصاحبة الجهد الهندسي لبلدية الدورة، وإزالة التجاوزات على القطع السكنية الموزعة لموظفي الدولة منذ سنوات ولم يتمكنوا من الإستفادة منها بسبب هذه التجاوزات". 

ودعت الخلية "جميع المواطنين التعاون مع الكوادر البلدية لإزالة التجاوزات الموجودة من أجل إظهار المدن بمظهر لائق، والحفاظ على المال العام" 

 

الكاظمي: الحملة تستثني الفقراء 

وفي بيان أصدره مكتبه الإعلامي، أكد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، أن حملات إزالة التجاوزات تستثني الفقراء، بناءً على توجيه أصدره "منذ اللحظة الأولى" لإطلاق الحملة قبل أيام. 

وقال الكاظمي ذلك، خلال استقباله المواطن أحمد عادل الربيعي، أحد المتضررين من حملة إزالة التجاوزات في منطقة الزعفرانية، وهو جندي سابق يعاني من بتر في الساق أصيب بها أثناء الحرب، ويشكو من تأخير معاملته التقاعدية، ولديه حاليا محل في التجاوزات يعتمد عليه في معيشته.

ولفت إلى أن "حملة إزالة التجاوزات ستستمر، لأنها تجاوز على الحق العام، وهناك عدد كبير من الأشخاص المنتفعين ممن حققوا الثروة من خلال التجاوز على أملاك الدولة، فضلا عما تسببه تلك التجاوزات، من حالات تشويه للأحياء والشوارع".

وأكد الكاظمي أنه "أوعز إلى الجهات المعنية، ومنذ اللحظة الأولى، بإيقاف تهديم تجاوزات الفقراء لحين إيجاد البديل المناسب لهم".

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.