العراق

عسكرة المجتمع أو السيادة؟ جدل "خدمة العلم" في العراق

02 سبتمبر 2021

خاص- ارفع صوتك 

في كل مرة، يتجدد الحديث عن إعادة تفعيل قانون "الخدمة الإلزامية أو خدمة العلم"، تشهد وسائل التواصل الاجتماعي في العراق، انقساماً ملحوظاً بين مؤيد ومعارض.

وفي حين يرى البعض أن هذه الخطوة "تزيد من عسكرة المجتمع"، يقول آخرون إنها "ترسخ مفهوم السيادة والولاء للوطن".

 

 

ونهاية شهر أغسطس الماضي، وافق مجلس الوزراء مبدئياً على قانون "خدمة العلم" وإحالته إلى البرلمان من أجل عرضه على التصويت. 

وكتب رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي، تدوينة عقب الموافقة على القانون، قائلاً "أنجزنا اليوم ما تعهّدنا به منذ لحظة تسلّمنا المسؤولية أمام شعبنا والتأريخ، بإقرار خدمة العَلم التي ستكرّس القيم الوطنية في أبنائنا" 

 

"جاهزون لتطبيقه"

بدوره، قال اللواء تحسين الخفاجي، المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة، إن "قانون التجنيد الإلزامي مهم جداً لإدامة زخم القوات الأمنية وزج دماء شابة جديدة في وزارة الداخلية والدفاع والأجهزة الأمنية الأخرى". 

وأضاف في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية (واع)، أن "القانون سيرفع من قدرات القوات الأمنية ويكون دافعاً للعمل بإمكانيات وقدرات عالية جداً وحافزا قوياً لدحر الإرهاب". 

وتابع الخفاجي، أن "وزارتي الدفاع والداخلية لديهما الإمكانيات والقدرات العالية في أن تقوما بهذه "المهمة الوطنية والاجتماعية والانسانية".

"والقانون رفع الى مجلس النواب ويتضمن تسلسلا عمريا، إضافة إلى اختلاف الخدمة من ناحية الشهادة بالنسبة إلى خريج الإعدادية أو البكالوريوس أو الماجستير أو الدكتوراة"، بيّن الخفاجي. 

وأكد أن العمليات المشتركة "بانتظار موافقة مجلس النواب على هذا القرار" مردفاً "جاهزون لتطبيقه". 

 

جدل حول القانون 

يقول الناشط والكاتب في منتديات ثقافية، سمير كاظم (42 عاماً): "لم تفلح الحكومات المتعاقبة على حكم العراق بشيء طيلة العقود الماضية، سوى بعسكرة المجتمع، وتحويل الشبان والفتيات والأكاديميين وأصحاب المهن الحرة، إلى خبراء بتفكيك السلاح وإعادة تركيبه، والاستيقاظ والنوم المبكر". 

ويضيف لـ"ارفع صوتك"، أن الطبقة السياسية "فشلت في إيجاد جو ثقافي يسهم بزيادة وعي المجتمع، وتخليصه من شوائب حكم الأحزاب والولاءات الخارجية التي بقيت مسيطرة عليه طيلة العقود الماضية". 

"بدلاً من إجبار الشباب على حمل السلاح، بحجة خدمة العلم، على الدولة التفكير بفتح منتديات شبابية ثقافية، تزرع الوعي وتعزز الشعور بمفهوم الوطن والدولة ورفض الانتماء للخارج، فهذا أفضل طريق لإصلاح الفجوة الكبيرة التي خلقتها الأحزاب الحاكمة"، يتابع كاظم.

من جهته، يقول الإعلامي والناشط مصطفى خليل: "بالتأكيد سأكون من ضمن الهاربين من الخدمة العسكرية، فأنا أكره شعور ارتداء البزة العسكرية والانصياع لأوامر الضباط".

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أنه بالأساس اتجه للعمل الصحافي، كي يكون "حراً بآرائه وأفكاره، دون أن يجبره أحد على فعل أي شيء".

ويرى خليل أن "خدمة العلم، تكون بالمجهود الوطني، والتفاني والإخلاص، والعمل الإنساني والوظيفي، وليس بمسك قطعة السلاح والوقوف في الجبهات". 

أما حازم شاكر، وهو مدير مدرسة في غرب العاصمة بغداد، فيقول إن "خدمة العلم، ستحقق نقلة نوعية لدى الأجيال المقبلة، فهم سيعرفون جيداً معنى أن تكون جندياً مخلصاً للوطن وقادراً على حماية أرضك وسمائك ضد أي اعتداء". 

ويبيّن لـ"ارفع صوتك": "كما ستعزز الشعور بالوطنية، وستكون الخدمة الإلزامية مصنعاً للرجال، تعلمهم التفاني وبذل كل ما بوسع الشخص لتحقيق شيء ما".

ويرى شاكر أن "شباب اليوم كسالى غير مبالين بما يحدث في الوطن، والخدمة الإلزامية ضرورية، لإعادة صقل شخصياتهم".   

وفي تصريح لوكالة الأنباء الرسمية، قال عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، كاطع الركابي، إن "مشروع قانون التجنيد الإلزامي طرح في الدورة السابقة، ونوقش في الدورتين السابقة والحالية، ثم أعيد إلى الحكومة لإجراء تعديل على بعض الفقرات اللغوية والمصطلحات الأخرى التي تخص القانون".

وأكد أن "القانون ما زال لدى الحكومة"، موضحاً "تمت مناقشة الموضوع عدة مرات والجميع مؤيد لهذا القانون، لكن مشروع القانون تأخر عند الحكومة ولم يصل إلى قبة البرلمان".   

وأضاف الركابي أن "الوقت المتبقي لا يسمح بالتصويت عليه، لاسيما أنه لم يخضع لقراءة أولى وثانية، ويمكن أن يتم التصويت عليه في الدورة النيابية القادمة".   

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.