العراق

العراق: جدل حول تنفيذ قانون الضمان الصحي الجديد

24 سبتمبر 2021

أعاد قانون الضمان الصحي للموظفين، بشأن تسديد نسبة شهرية من رواتبهم وبشكل إجباري، فتح النقاش من جديد حول التدهور الحاصل في النظام الصحي ومدى جودته، هل هناك بالفعل ضمانات حكومية؟ وهل تمثل الاستقطاعات التي سيسددها الموظفين، حرصا على صحتهم؟ أم أنه يمثل استنزافاً جديداً لقوت الشعب ومدخراته المالية؟

وأعلنت الحكومة عن تنفيذ قانون الضمان الصحي في العراق، والذي أقره مجلس النواب في عام 2020، في 15/ أيلول العام الحالي 2021.

وبحسب القانون الجديد، فإنه سيتم استيفاء مبالغ من الدرجات الخاصة بنسبة 2.5 في المئة واستيفاء نسبة 1 في المئة من الراتب الكلي لموظفي الدولة الآخرين ومن يقابلهم في القطاع الخاص.

كما ينص القانون على شمول بعض الشرائح مجاناً بالضمان الصحي، وهم أحد الزوجين غير الموظف وأبناء الموظف حتى 21 سنة والمستمرون بالدراسة منهم لغاية 24 سنة، والبنات العازبات والنساء المطلقات والأرامل من غير الموظفات.

وتقدم الخدمات المجانية بموجب القانون الجديد لكل من مرضى السرطان والمصابين بالأمراض النفسية والعقلية وأمراض الدم الوراثية وعجز الكلى والتخلّف الذهني وأصحاب الاحتياجات الخاصة من الأجهزة الأمنية بأصنافها كافة، والذكور غير الموظفين ممن تجاوزت أعمارهم 60 سنة، والإناث غير الموظفات ممن تجاوزت أعمارهن 55 سنة والأطفال دون سن الخامسة.

مخاوف وجدل

ويثير قانون الضمان الصحي الجديد رغم امتيازاته المعلنة، مخاوف من عدم تنفيذ القانون على أرض الواقع، مما يعني ضياع الأموال التي سيتم استقطاعها من الرواتب، خاصة في ظل ارتفاع قيمة صرف الدولار الأمريكي وغلاء الأسعار في السوق المحلية.

وتنتقد أحلام ناصر (49عاماً)، وهي موظفة حكومية، القانون الجديد، وتقول لموقع (ارفع صوتك)، إنه "سيوفر غطاء قانونيا لفساد جديد".

وتضيف أن "الموظف لا يثق بقوانين وقرارات الحكومة، وخاصة تلك التي تتعلق بالاستقطاعات المالية من رواتبه الشهرية، لأنه لا يعلم في كثير من الأحيان الجهات التي تقوم بذلك ولماذا".

وارتفعت نسبة الفقر في العراق بين سبعة و14 في المئة، بعد قرار الحكومة العراقية خفض قيمة الدينار وما رافقه من ارتفاع في أسعار المواد الغذائية، بحسب ترجيحات تقرير صادر عن الأمم المتحدة.

وقال التقرير، الذي اشتركت في إعداده منظمة الأغذية والزراعة "الفاو" وبرنامج الأغذية العالمي والبنك الدولي، إن قرار خفض قيمة العملة المحلية سيؤدي على المدى القصير إلى زيادة أعداد الفقراء في البلاد بين 2.7 مليون و5.5 مليون عراقي.

وأضاف التقرير أن هذه الأعداد ستضاف إلى نحو 6.9 مليون عراقي موجودون أصلا قبل اندلاع أزمة جائحة كورونا.
وتشير ناصر إلى أنه بدلاً من انشغال البرلمان العراقي والحكومة في تخليص الشعب من ارتفاع سعر صرف الدولار الذي أثر بشكل كبير على حالتنا المعيشية نتفاجأ باستقطاعات جديدة تقلل من قيمة الرواتب الشهرية.

المنظومة الصحية

ويعيد قانون الضمان الصحي الجديد إلى الواجهة، معاناة عاشها وما زال يعيشها الفرد العراقي خلال الأعوام الماضية، بشأن انهيار المنظومة الصحية، كما يعكس المزيد من التحديات بشأن قدرة الفرد على تلقي خدمات الرعاية الصحية اللازمة.

وتُقدر كلفة الرعاية الصحية للفرد العراقي ما بين 154 إلى 161 دولاراً سنوياً، وفقاً لمؤشرات البنك الدولي، وترتفع في أفضل مستويات التفاؤل، النادرة والقياسية، إلى 239 دولاراً بحسب مؤشر (The Global Economy).

لكن التقارير المالية لوزارة الصحة تؤكد أن ما يُصرف فعلياً على المواطن سنوياً هو 166 ألف دينار فقط، أي أقل من 120 دولاراً.

يخصص العراق أقل من 4.5 في المئة سنوياً من موازناته على القطاع الاستشفائي، يذهب نصفها كموازنة تشغيلية، فيما النصف الآخر يخصص لشراء أدوية، ودفع ديون شركات، فضلاً عن النقص الشديد في توفر العلاجات الأساسية المدرجة للتداول في العراق وعددها 3000 مستحضر دوائي، من بينها 1166 مستحضراً مُقرّة الاستعمال حكومياً، من ضمنها 531 دواء أساسياً منقذاً للحياة وللأمراض المزمنة والسرطانية. 

الفساد المالي والاداري

ويرى الناشط الحقوقي أكرم عباس أن الكثير من التدابير والإجراءات وحتى الخطط المتخذة في إدارة المنظومة الصحية أمثلة على الفساد المالي والاداري اللذان استشريا في هذه المنظومة لتتجاوزا القوانين والصلاحيات.

ويقول عباس لموقع (ارفع صوتك)، إن "تزايد الأخطاء الطبية والإهمال ونقص العلاجات والخدمات المقدمة دفع إلى عدم قدرة جميع أفراد الشعب على تلقي الرعاية الصحية اللازمة في المستشفيات والمراكز الحكومية".

ويثير الناشط مخاوف من أن يصبح قانون الضمان الصحي الجديد عرضة للاستغلال ما لم يتم اصلاح المنظومة الصحية والحد من الفساد الذي أدى إلى انهيارها.

ويضيف أن "الأكثر إثارة للقلق هي الاستقطاعات الشهرية للموظف. فهي كثيرة ولا تتناسب مع الحالة المعيشية".

ويشير عباس أيضا إلى أن تنفيذ العمل بقانون الضمان الصحي الجديد هو في وقت ليس مثاليا أو مناسباً في ظل الازمات الصحية التي تعيشها البلاد بسبب أزمة تفشي وباء كورونا.

وكان نقيب الأطباء العراقيين جاسم العزاوي قد كشف في وقت لاحق عن أبرز الصعوبات التي تواجه نظام الضمان الصحي هو "تخلف" هذا النظام في العراق سواء في القطاعين العام والخاص، ما يصعب تقديم خدمة صحية جيدة وكذلك الحاجة إلى حملة توعية على أهمية الضمان الصحي، فضلاً عن أن القانون يتضمن إنشاء صندوق توضع فيه أموال المشتركين بالنظام والتخوف من أن تطالها أيدي الفاسدين.

دعاء يوسف/ ارفع صوتك

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.