العراق: ما نتيجة حل قضايا العمال عشائريا بعيدا عن القانون؟
رصدت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بالتعاون مع وزارة الصحة العراقية، حوادث وإصابات نتيجة افتقار بيئة العمل بالقطاعين الخاص والعام لشروط الصحة والسلامة.
ووفقا للبيانات، تم تسجيل 241 خلال سبتمبر الماضي في قطاعات العمل (صناعة، إنشاءات، سياحة، خدمات، نقل، مال، صحة، تعليم، زراعة، تجارة)، وسجل القطاع الخدمي أعلى الإصابات بواقع 128 إصابة عمل.
وتأتي محافظة البصرة في المركز الأول، إذ سجلت 127 إصابة تليها بغداد/ الكرخ 66 إصابة و27 إصابة في كربلاء، فضلاً عن تسجيل 16 إصابة عمل في محافظة واسط.
وهذا يستدعي الحاجة إلى تشريعات قانونية، خاصة أن حقوق العمّال في العراق تكاد تكون غائبة تماماً منذ 18 عاماً، بحسب عضو اتحاد نقابات عمّال العراق سعد الكرخي.
وعلى الرغم من أن لجنة العمل النيابية ووزارة العمل قد رجحت التصويت على قانون للتقاعد والضمان الاجتماعي خلال الدورة البرلمانية السابقة، إلا أن الوقت لم يسمح للتصويت عليه حتى بعد أن تمت قراءته مرتين.
وتشريع القانون الجديد للتقاعد والضمان الاجتماعي، سيضمن تحسين أوضاع العاملين في جميع المشاريع التجارية والصناعية والترفيهية الخاصة للمرة الأولى منذ عقود، ويجعلهم يحصلون على تقاعد في نهاية خدمتهم، مشابهاً لما هو معمول به في القطاع العام، الذي يشهد إقبالاً كبيراً من جانب الشباب العراقي بسبب هذه الميزة، كما أنه سيحد من حجم العمالة الأجنبية في البلاد وتوفير فرص العمل للعاطلين.
تردي الظروف المعيشية
من جهته، يرى الخبير الاقتصادي نبيل أسعد، أنه حتى لو تم تشريع القانون فإن هذا الأمر لن يحد من حدوث إصابات بسبب قلة الوعي بأهمية سلامة العاملين وصحتهم، وكذلك لعدم وجود إمكانات مناسبة تدعم هذا الشأن مثل تطور معدات العمل وحداثتها.
ويقول لـ"ارفع صوتك"، إن "أصحاب المهن والحرف بالضرورة لا يعيرون أية اهتمامات جدية تجاه السلامة المهنية، بل إن البعض يعتبرها مصاريف غير أساسية غايتها التبذير".
"كما أن تردي الظروف المعيشية يدفع بالكثير من العمال للقبول بأية مهنة حتى لو كانت تعاني من تدني أجورها وكذلك من فقدان بيئة العمل للصحة والسلامة المهنية والأمنية، فقط كي يوفروا لقمة العيش"، يتابع أسعد.
ويضيف أن "الكثير من العراقيين يجدون بعد قضاء شهور من دون عمل أو وظيفة، صعوبة في الحكم على بيئة العمل الصحية والأمنية، وما يتطلبه ذلك من عدم القبول بها لعدم سلامتها المنهية".
ويتساءل أسعد "ما الفائدة المرجوة من وجود تشريعات إمكانية تنفيذها ضعيفة؟" عازياً ذلك إلى "تدخل جهات متنفذة لتحقيق مصالحها ومكاسبها بعيدا عن القانون".
العادات العشائرية
ووفقاً لوزارة الداخلية فإن ما لا يقل عن 10 وفيات بين العمال في العراق تحدث أسبوعياً، الكثير منها بسبب فقدان اشتراطات السلامة.
وذكرت في تصريح سابق، أن حوادث الوفاة بمعظمها تُطوى بتسوية عشائرية بين أهل الضحية وصاحب العمل، عبر تقديم تعويض لذوي الضحية، وهم في العادة فقراء يقبلون التعويض، كما أن القانون العراقي لن يعوّضهم أو يدفع لهم راتباً.
بالتالي، يفضل الأهالي أو المتضرّرون قبول التعويض العشائري مقابل التنازل عن الشكوى.
في هذا السياق، يقول المحامي هادي عامر لـ"ارفع صوتك"، إن "بعض العادات العشائرية المتوارثة تفتح طريقاً لتهميش سلطة القانون وعدم تطبيقه".
ويضيف أنه "دائما ما يلجأ أصحاب عمل ما إلى التخلص من إمكانية الشكوى القضائية عليهم لإصابة إحدى العاملين لديهم، بتقديم تعويض مالي عبر اتفاق عشائري مع أهل الضحية، وبذلك يتم تسمية هذه القضايا بعيدا عن القانون".
ويرى عامر أن هذه العادات "أسهمت في تهميش دور القانون، وإهمال أهمية السلامة المهنية والصحية وحتى الأمنية، لأن هناك من يدفع المال مقابل عدم المساس بعمله".