العراق

العراق: ما نتيجة حل قضايا العمال عشائريا بعيدا عن القانون؟

28 أكتوبر 2021

رصدت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بالتعاون مع وزارة الصحة العراقية، حوادث وإصابات نتيجة افتقار بيئة العمل بالقطاعين الخاص والعام لشروط الصحة والسلامة. 

ووفقا للبيانات، تم تسجيل 241 خلال سبتمبر الماضي في قطاعات العمل (صناعة، إنشاءات، سياحة، خدمات، نقل، مال، صحة، تعليم، زراعة، تجارة)، وسجل القطاع الخدمي أعلى الإصابات بواقع 128 إصابة عمل.

وتأتي محافظة البصرة في المركز الأول، إذ سجلت 127 إصابة تليها بغداد/ الكرخ 66 إصابة و27 إصابة في كربلاء، فضلاً عن تسجيل 16 إصابة عمل في محافظة واسط.

وهذا يستدعي الحاجة إلى تشريعات قانونية، خاصة أن حقوق العمّال في العراق تكاد تكون غائبة تماماً منذ 18 عاماً، بحسب عضو اتحاد نقابات عمّال العراق سعد الكرخي.

وعلى الرغم من أن لجنة العمل النيابية ووزارة العمل قد رجحت التصويت على قانون للتقاعد والضمان الاجتماعي خلال الدورة البرلمانية السابقة، إلا أن الوقت لم يسمح للتصويت عليه حتى بعد أن تمت قراءته مرتين. 

وتشريع القانون الجديد للتقاعد والضمان الاجتماعي، سيضمن تحسين أوضاع العاملين في جميع المشاريع التجارية والصناعية والترفيهية الخاصة للمرة الأولى منذ عقود، ويجعلهم يحصلون على تقاعد في نهاية خدمتهم، مشابهاً لما هو معمول به في القطاع العام، الذي يشهد إقبالاً كبيراً من جانب الشباب العراقي بسبب هذه الميزة، كما أنه سيحد من حجم العمالة الأجنبية في البلاد وتوفير فرص العمل للعاطلين. 

 

تردي الظروف المعيشية

من جهته، يرى الخبير الاقتصادي نبيل أسعد، أنه حتى لو تم تشريع القانون فإن هذا الأمر لن يحد من حدوث إصابات بسبب قلة الوعي بأهمية سلامة العاملين وصحتهم، وكذلك لعدم وجود إمكانات مناسبة تدعم هذا الشأن مثل تطور معدات العمل وحداثتها. 

ويقول لـ"ارفع صوتك"، إن "أصحاب المهن والحرف بالضرورة لا يعيرون أية اهتمامات جدية تجاه السلامة المهنية، بل إن البعض يعتبرها مصاريف غير أساسية غايتها التبذير".  

"كما أن تردي الظروف المعيشية يدفع بالكثير من العمال للقبول بأية مهنة حتى لو كانت تعاني من تدني أجورها وكذلك من فقدان بيئة العمل للصحة والسلامة المهنية والأمنية، فقط كي يوفروا لقمة العيش"، يتابع أسعد.

ويضيف أن "الكثير من العراقيين يجدون بعد قضاء شهور من دون عمل أو وظيفة، صعوبة في الحكم على بيئة العمل الصحية والأمنية، وما يتطلبه ذلك من عدم القبول بها لعدم سلامتها المنهية". 

ويتساءل أسعد "ما الفائدة المرجوة من وجود تشريعات إمكانية تنفيذها ضعيفة؟" عازياً ذلك إلى "تدخل جهات متنفذة لتحقيق مصالحها ومكاسبها بعيدا عن القانون".

 

العادات العشائرية

ووفقاً لوزارة الداخلية فإن ما لا يقل عن 10 وفيات بين العمال في العراق تحدث أسبوعياً، الكثير منها بسبب فقدان اشتراطات السلامة. 

وذكرت في تصريح سابق، أن حوادث الوفاة بمعظمها تُطوى بتسوية عشائرية بين أهل الضحية وصاحب العمل، عبر تقديم تعويض لذوي الضحية، وهم في العادة فقراء يقبلون التعويض، كما أن القانون العراقي لن يعوّضهم أو يدفع لهم راتباً.

بالتالي، يفضل الأهالي أو المتضرّرون قبول التعويض العشائري مقابل التنازل عن الشكوى.

في هذا السياق، يقول المحامي هادي عامر لـ"ارفع صوتك"، إن "بعض العادات العشائرية المتوارثة تفتح طريقاً لتهميش سلطة القانون وعدم تطبيقه". 

ويضيف أنه "دائما ما يلجأ أصحاب عمل ما إلى التخلص من إمكانية الشكوى القضائية عليهم لإصابة إحدى العاملين لديهم، بتقديم تعويض مالي عبر اتفاق عشائري مع أهل الضحية، وبذلك يتم تسمية هذه القضايا بعيدا عن القانون".  

ويرى عامر أن هذه العادات "أسهمت في تهميش دور القانون، وإهمال أهمية السلامة المهنية والصحية وحتى الأمنية، لأن هناك من يدفع المال مقابل عدم المساس بعمله". 

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.