العراق

كيف يمكن تفادي الأزمات الناتجة عن الجفاف في العراق؟

دلشاد حسين
03 نوفمبر 2021

تشير مصادر عراقية إلى أن إيران جففت خلال السنوات الماضية أكثر من 40 نهرا ورافدا كانت تجري في الأراضي العراقية، عبر تغيير مجراها، منها نهر الكارون الذي يغذي نهر شط العرب في البصرة.

وأدى إنشاء إيران العديد من السدود داخل حدودها على نهري الزاب الصغير وسيروان (نهر ديالى)، اللذين يجريان في كردستان العراق ويغذيان نهر دجلة، إلى انخفاض كبير في مناسيب النهرين، خاصة سيروان.

وبعد إصدار وزارتي الزراعة والموارد المائية، تقليص المساحة المشمولة بالزراعة إلى النصف خلال خطة الموسم الزراعي 2021-2022، نتيجة أزمة المياه، تزايدت مخاوف العراقيين، من أزمات جديدة قد تنجم عنه.

مزارع عراقي ينظر إلى أرضه في مدينة الفاو جنوب العراق
هل يجفف جارا العراق مياه نهريه؟
بينما تقوم جارتاه إيران وتركيا ببناء سدود جديدة، يواجه العراق خطر جفاف نهريه التاريخيين دجلة والفرات، ما لم يقم بتشييد البنى التحتية اللازمة ويجري مفاوضات مكثفة مع دولتي المنبع.
يراقب المزارع البصري السبعيني أبو شاكر أرضه بحسرة بعدما خسر مساحات كبيرة منها بسبب ارتفاع نسبة الملوحة في شط العرب بمحافظة البصرة (جنوب العراق).

نبيل آل عامر، وهو مزارع من محافظة الديوانية جنوب العراق، يقول لـ"ارفع صوتك": "تعتبر الديوانية محافظة زراعية لأنها لا تمتلك مورداً آخر غير الزراعة، نزرع الأرز والقمح والشعير، لذلك عندما نزرع سيتمكن سكان المحافظة من العيش".

"لأن قرابة 70% منهم يعتمدون على الزراعة كمصدر قوت رئيسي، فيما تزاول البقية مهناً أخرى تتأثر تنتعش أوضاعهم المعيشية أيضاً بانتعاش الزراعة، والعكس إذا تضررت الزراعة ستتضرر المحافظة بالكامل"، يوضح نبيل.

ويمتلك أرضا زراعية مساحتها 500 دونم، لم يستطع العام الماضي وحسب الخطة الزراعية، من زراعة سوى 360 دونما منها، وبعد القرار الجديد، لن يتمكن إلا من زراعة 160 دونما، أي 30% من المساحة الكلية لأرضه.

ويضيف نبيل: "ستسبب هذه الخطة بالكثير من المشكلات الداخلية والارتباك لنا من حيث كيفية تغطية الاحتياجات لأن المحاصيل ستنخفض، بالتالي سيكون هناك شحة كبيرة، في وقت ارتفعت أسعار البذور والأسمدة والمبيدات"، معتبرا ما يجري "حرباً على الزراعة الوطنية لصالح الاستيراد".

وأعلنت وزارة الموارد المائية، الثلاثاء الماضي، أن مفاوضتها حول حصة العراق المائية مع تركيا أثمرت عن نتائج إيجابية.

وقال وزير الموارد المائية مهدي رشيد الحمداني في بيان نشر على موقع الوزارة، إن"مذكرة التفاهم التي وقعت مع تركيا لعام 2009 دخلت حيز التنفيذ، من أهم بنودها إعطاء حصة عادلة من المياه للعراق".

من جانبه، يرى الخبير الزراعي تحسين الموسوي، أن العراق "مجبر على التوجه نحو خيار تقليص الأراضي الزراعية للنصف، رغم أن ذلك سيؤثر على الإنتاج، بسبب حاجة البلد الى خمسة ملايين طن من القمح لتحقيق الاكتفاء الذاتي".

في الوقت نفسه، يحذر الموسوي من ارتفاع نسبة البطالة وزيادة التصحر بسبب قرار التقليص، موضحا لـ"ارفع صوتك": "لتفادي الأزمات الناجمة عن الجفاف يجب العمل على تطوير وسائل وطرق الزراعة، كاستخدام بذور تتحمل نسبة عالية من الملوحة، وتقليل زراعة المحاصيل الإستراتيجية، والاعتماد نوعا ما على الاستيراد، وتأمين حصة مائية كاملة للبساتين للحفاظ عليها وعلى التنوع الأحيائي، واستخدام منظومات ري حديثة، والاتجاه نحو الشق الثاني من القطاع الزراعي المتمثل بالثروة الحيوانية".

بدوره، يقول الناطق الرسمي لوزارة الزراعة حميد النايف، إن الخزين المائي المتاح الموجود في السدود والخزانات "يكفي لسد احتياجات مليونين و500 ألف دونم، أي بمقدار تخفيض 50% عن المساحات المقرة العام الماضي، البالغة خمسة ملايين دونم، بسبب انحسار الإيرادات المائية في العراق والمنطقة، واحتمالية استمرار الانحسار خلال الموسم الشتوي المقبل".

ويضيف لـ"ارفع صوتك"، أن "الغرض من التقليص ديمومة المياه في الخزين المائي المتوفر في السدود والخزانات، ولأجل ضمان كميات المياه الخام لمحطات الإسالة العاملة في المحافظات كافة والبستنة للموسم الصيفي القادم".

واستبعدت الخطة محافظة ديالى بالكامل من الزراعة بسبب قلة الإيرادات المائية وانخفاض منسوب المياه في سد حمرين.

تقرير: الجفاف في العراق يعكس تهديد المناخ للأمن الغذائي
في دليل واضح على تأثير الطقس القاسي الناجم عن تغير المناخ وانعكاسه على الأمن الغذائي في جميع أنحاء العالم، أجبر الجفاف الذي يمتد للعام الثالث على التوالي، العراق، على خفض مساحة محاصيله المزروعة إلى النصف، وفقا لتقرير نشرته

يقول النايف إن الخطة "اختصرت المياه الموجودة في ديالى لأغراض البستنة ومياه الشرب حصرا"، مشيراً إلى أن الوزارتين أكدتا على منع الزراعة داخل حدود الأهوار والمهارب الفيضانية في محافظات البصرة وواسط وذي قار وميسان.

ويدعو النايف المزارعين والفلاحين إلى الالتزام بالمساحات الإروائية المقرة بالخطة الزراعية حصرا، والالتزام بالضوابط القانونية بهذا الشأن من أجل المضي بموسم زراعي يسهم في توفير مرتكزات الأمن الغذائي للمواطنين.

دلشاد حسين

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.