العراق

"عائلات يضيع مستقبلها" في نزاعات ذي قار العشائرية

05 نوفمبر 2021

خاص- ارفع صوتك  

يكاد لا يمر يوم من دون سقوط قتيل أو قتلى وجرحى في محافظة ذي قار في النزاعات العشائرية.

وقبل أيام انتهى نزاع عشائري في قضاء سوق الشيوخ، راح ضحيته 12 قتيلاً وجريحاً، بسبب مباراة كرة قدم.  

يقول غسان حسن، وهو من سكنة القضاء، لـ"ارفع صوتك": "احترق محلي التجاري، الذي أعيل منه عائلتي.. ذهب كل ما أملك، لمجاورتي شخصاً ساهم بقتل آخرين خلال النزاع الذي نشب بسبب (لعبة خماسي كرة قدم)، فقد أحرقوا محله ووصلت النار محلي".

ويضيف بحُرقة "انتهى أمري، ولا أعرف أين اشتكي.. أطراف النزاع حرقوا بيوتاً ومحلات ومزارع، ودمروا مستقبل عائلات بأكملها، فيما يخشى المتضررون إبداء أي ردة فعل قانونية ومجتمعية، تجنباً لعواقب أشد وأمر". 

 

"عائلات يضيع مستقبلها" 

بدوره، يقول المسؤول المحلي في قضاء سوق الشيوخ كامل زغير، إن "عائلات بأكملها يضيع مستقبلها، بسبب النزاعات العشائرية المستمرة في قضاء السوق وبقية المناطق". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك"، أن "الصراع العشائري قد يشتعل لأسباب تافهة جداً، وربما يصل إلى استخدام الأسلحة الثقيلة وقنابل الهاون، لتهدم بيوت فوق ساكنيها وتحرق محلات وتثكل أمهات، ويمتد الثأر من جيل إلى جيل، ما يهدد السلم المجتمعي بشكل كامل". 

"لا مكان للمتضررين في الأحاديث العشائرية، فهم يُعتبرون جزءاً من الصراع، ومن يريد حقه منهم فليشعل صراعاً جديداً مع الطرف الذي تسبب بحرق محله أو هدم منزله أو حتى قتل من قتل أحد ذويه"، يتابع زغير.

من جهتها، تقول الناشطة الحقوقية في سوق الشيوخ انتصار الباوي: "هذه شريعة غاب، أن تكون الغلبة للأقوى ولا يحق للمتضرر إبداء اعتراض على ما جرى له، فإما أن يحمل السلاح أو يضيع حقه".

وتتساءل: "أين دور الشرطة المجتمعية والقيادات الأمنية والوزارات والمؤسسات التي تكلف الدولة المليارات من الدولارات؟ لماذا هذا الصمت على ما يجري في ذي قار". 

وتبيّن الباوي لـ"ارفع صوتك" أن "هناك نساءً وأطفالاً تعرضوا لعاهات مستديمة بسبب نزاعات عشائرية لم يكونوا طرفاً فيها".

وتشير إلى أن مستشفيات ذي قار "شاهدة على واقع حال المحافظة، التي لم تجن من الأحزاب سوى الخراب، فهذا الكم الهائل من السلاح المنفلت، قد يزلزل المحافظة بحرب أهلية لا هوادة فيها". 

"ولدينا احصائيات مروعة عن حجم الخراب والأذى النفسي الذي تعرضت له نساء ذي قار بسبب فقدهن أزواجهن وأطفالهن وذويهن بسبب الصراعات العشائرية، وكلهن متضررات بلا أي تعويضات"، تؤكد الباوي. 

وتقول إن "ذوي قتلى الصراعات العشائرية، يُتركون بلا تعويضات مالية ولا معنوية، فهم يتحولون إلى مادة لأخذ الدية من قبل الزعامات العشائرية التي تتقاسم دية القتلى، لتجبر العائلات المفجوعة بأبنائها على التنازل، وهذا ما يجعلهم بلا أي تعويضات أو رواتب تقاعدية من قبل الدولة". 

 

"الجلوة العشائرية"

ويتعرض أبناء العشائر المتصارعة في ذي قار وبقية المحافظات، إلى ما يعرف بـ"الجلوة العشائرية"، وتعني "إجلاء الساكنين من العشيرة التي تفرض عليها الجلوة من قبل الأطراف المُصلحة، إلى مكان آخر، لإنهاء تجدد أي صراع ممكن، نتيجة وقوع قتلى من أحد الطرفين". 

يقول حامد ربيع، وهو أحد وجهاء مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار، إن "قرار إجلاء الساكنين قد يشمل عشرات العائلات التي لم تكن طرفاً في أي نزاع، سوى كونها تنتمي لذات القبيلة التي تخوض نزاعاً مسلحاً مع عشائر أخرى".

ويوضح لـ"ارفع صوتك": "ومن يتم إجلاؤه يتعرض لأضرار مادية ومعنوية جسمية، حيث يضطر لبيع ممتلكاته وبيته ليقيم في منطقة أخرى، ما يُحدث شرخاً مجتمعياً جديداً بين أبناء المنطقة الواحدة". 

"أما الدولة بلجانها الخاصة بالعشائر في وزارة الداخلية ومجلس النواب وبقية المؤسسات، فلم تستطع إلى الآن تغيير وضع النزاعات العشائرية في ذي قار أو غيرها، ولا تراعي المتضررين من استمرارها"، يتابع ربيع. 

ويطالب الحكومة الجديدة بـ"النظر  إلى ملف العشائر ونزاعاتها في العراق، التي توقع عشرات القتلى والجرحى وتحدث أضراراً جسمية لعشرات العوائل الآمنة، التي لا ذنب لها لا كونها تسكن في مناطق النزاع العشائري، أو تنتمي لأحد أطراف النزاع". 

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.