ما الذي يمنع المرأة من العمل في جنوب العراق؟
يرفض حازم كريم (49 عاماً) فكرة أن تعمل شقيقاته الثلاثة في مهن غير حكومية رغم ظروفهن المعيشية الصعبة.
تقول إحداهن، وهي ابتسام (29 عاماً) لـ "ارفع صوتك": "طبيعة الحياة في المحافظات الجنوبية تفرض على المرأة قيوداً كثيرة لعل أهمها العمل".
وتعيش ابتسام مع شقيقاتها في أسرة مكونة من 11 فرداً بمنزل واحد في محافظة ذي قار.
وتقع مسؤولية توفير لقمة العيش على أخويها حازم وأمير وهما متزوجان ولديهما ثلاثة أطفال.
تضيف ابتسام "المشكلة في المجتمع، إذ لا يتقبل بسهولة فكرة عمل المرأة بغير الوظيفة الحكومية، وعادة من تعمل في السوق تكون كبيرة في السن".
وتشير إلى أن الكثير من العائلات تشجع عمل النساء، في مهن غير حكومية، كالمحال التجارية وصالونات التجميل أو عيادات الأطباء، "لكن المشكلة في الخوف من المجتمع القبلي الذي ينظر لخروج المرأة من منزلها واختلاطها بالرجل بأنه مخالف للأخلاق والدين، وقد يؤثر على سمعتها وسمعة عشيرتها" وفق تعبيرها.
حرمان من الحقوق
حسب بيانات حكومية، فإن 87% من النساء العراقيات غير مستعدات أو لا يرغبن في دخول سوق العمل، فيما تواجه النسبة الباقية وهن الراغبات، تحديات مختلفة تعيق حصولهن على الوظائف.
تقول الناشطة الحقوقية زهراء علاء لـ"ارفع صوتك": "من النادر أن تجد النساء يعملن بعيدا عن منازلهن عندما تجوب شوارع الكثير من المحافظات والقرى والنواحي الجنوبية، لأن الكثير منهن محرومات من حقوقهن في العمل والدراسة، ولا يغادرن منزل الأسرة إلاّ للانتقال لمنزل الزوج بحكم العادات والتقاليد المتوارثة".
"أما اللواتي دخلن سوق العمل في محافظات أخرى، فقد تعرضن لمضايقات من الرجال، كالتحرش الجنسية أو إطلاق بعض الشائعات والأكاذيب عليهن لتخويفهن من الاستمرار"، تضيف علاء.
وتوضح: "الموضوع يتعلق بتقسيم المناطق حسب العشيرة التي تسيطر عليها، ويجب على جميع سكانها التماشي مع الطابع القبلي بعيدا عن القانون والمدنية وغير ذلك من أفكار، بعضها يعتبر ضد الأخلاق والدين، كحق المرأة في العمل".
المساواة الجندرية
في إحصاءات حديثة لوزارة التخطيط العراقية، فإن أقل من 8% من النساء المستعدات للعمل، ينجحن في الحصول عليه فعلاً، إذ يسجل العراق رقما قياسيا في غياب المساواة الجندرية، ويحتل ثاني أدنى مرتبة بنسبة العمالة النسائية من بين 130 دولة.
كما تُظهر بيانات البنك الدولي، أن النسبة العامة للعمالة النسائية في الشرق الأوسط ارتفعت من 15% إلى 16% بين عامي 2014 و2017، إلا أن العراق شهد هبوطاً في نسبة تلك العمالة من 11% الى 8% خلال الفترة نفسها.
من جهتها، تقول المحامية سارة محسن لـ"ارفع صوتك"، إن هذه النسب "تكون أقل بكثير من المعلن عليها، خاصة بعد جائحة كورونا".
وترى أن بعض الأفكار المتعلقة بالوظائف الحكومية، تغيرت، إذ كان المجتمع العشائري ينظر لوظيفة المرأة في التعليم كالمعلمة في المدرسة على أنها "أفضل المهن وأكثرها احتراماً"، لكن ذلك تغير بعض الشيء، وصار بإمكان المرأة العمل في المستشفيات والدوائر الإنتاجية وغير ذلك من المؤسسات بشرط أن تكون حكومية.
وتضيف محسن، أن "المشكلة لا تقتصر على كون الرجل في العائلة هو المسؤول عن تقرير أو تحديد مصير المرأة في المحافظات الجنوبية، بل في عدم قدرتها على التذمر أو الرفض، بسبب العادات العشائرية الموروثة، التي قد تدفع لقتل المرأة التي ترفض الانصياع".
وتشير إلى أن المرأة عموماً في الجنوب لا تُعامَل كالمرأة في العاصمة بغداد، من حيث حرية العمل وتقريرها لمصيرها، والسبب "النظرة الدونية للمرأة في الجنوب، باعتبارها غير مؤهلة اجتماعياً وثقافيا".
وكان تقرير لوزارة التخطيط العراقية صدر عام 2018، أكد أن بعض الوزارات تحظى بنسبة عالية من الموظفات النساء، كالتربية والتعليم التي توظف ست نساء مقابل كل أربعة رجال.
غير أن هناك وزارات تعاني من التدني الشديد في نسبة وجود الموظفات فيها، في مقدمتها الداخلية، حيث لا تتعدى نسبة النساء فيها 2% ووزارة النفط التي لا تتجاوز نسبة النساء فيها 10%.