العراق

تحذيرات عراقية من تأثيرات "مدمرة" لسد "الجزرة" التركي

27 نوفمبر 2021

خاص- ارفع صوتك

بعينين دامعتين، يودع صاحب كاظم الربيعي، مزرعته في محافظة نينوى شمالي العراق، ليقرر الذهاب إلى مدينة الموصل، بحثاً عن مهنة أخرى وسط أفواج العاطلين عن العمل.  

يقول لـ"ارفع صوتك": "الجفاف وقلة الأمطار أنهت أي أمل بموسم زراعي يساعدنا على إدامة حياتنا، ورفع مستوى الإنتاج المحلي من الحنطة، فبعد أن كنا المحافظة الأولى بالإنتاج الزراعي، نواجه اليوم شبح الجفاف التام، بسبب إيران وتركيا". 

من جهتها، تقول عبير مطاع، الموظفة في وزارة الموارد المائية: "حسب التقارير والأبحاث الدولية، التي تتابعها وزارة الزراعة ووزارة الموارد المائية، ليس هناك أي حل قريب لأزمة المياه المعقدة خلال السنوات القريبة المقبلة". 

وتضيف لـ"ارفع صوتك"، أن العراق "من أكثر بلدان العالم تأثراً بالتغيير المناخي الذي يجتاح البيئة، وعندما يبلغ سكان العراق نحو 45 مليون نسمة بحلول 2025، سيضرب التصحر نحو 35% من الأراضي". 

"وهناك معلومات خطيرة تشير إليها التقارير الدولية التي تعتمدها وزارة الزراعة، مؤكدةً أن نسبة الملوحة سترتفع لأكثر من 50% في الاراضي المزروعة، نتيجة موجة الجفاف القادمة وتمدد ظاهرة التصحر، وانعدام التقنيات التي تساعد على إدامة الخزين المائي في العراق"، تتابع مطاع.

وتؤكد أن البلاد ستواجه عجزاً مائياً خلال السنوات القليلة المقبلة، بمقدار يتجاوز 10 مليارات متر مكعب كل 12 شهراً، وسط توقعات من قبل خبراء البيئة بأن معدلات درجات الحرارة سترتفع بشكل غير مسبوق.

جانب من نهر دجلة في منطقة الكاظمية في بغداد
نائب عراقي: سنخسر ثلثي أراضينا الزراعية جراء تشغيل سد تركي
قال رئيس كتلة بدر النيابية العراقية محمد ناجي الأحد إن العراق سيخسر نحو ثلثي أراضيه الزراعية إذا تم تفعيل سد أليسو الذي تبنيه تركيا على نهر دجلة.

وأضاف ناجي في مؤتمر صحافي إن تركيا "لا تعترف بحقوق العراق التاريخية والطبيعية بنهر دجلة، كما أنها لا تعترف بقواعد القانون الدولي".

"رصاصة الرحمة" 

بشكل غير مسبوق، يهدد الجفاف سد الموصل، وهو أهم السدود العراقية، حيث يقع في محافظة نينوى التي تعد سلة خبز العراق، كونها تضم نحو 6 ملايين دونماً زراعية. 

كما أنه أكبر السدود في العراق، إذ يصل طوله لـ 3.4 كيلومترات، وارتفاعه لـ 113 مترا، وورابع أكبر سد في الشرق الأوسط.

يقول يشير حامد منخي، مسؤول شعبة الوعي الزراعي في محافظة نينوى: "خلال العام الماضي حققت نينوى الاكتفاء الذاتي من محصول الحنطة بإنتاج بلغ أكثر من 926 ألف طن". 

وفي العالم الحالي، لم تنتج اسوى 95 ألف طن بسبب الجفاف وانعدام الأمطار. 

ووفق وزارة الزراعة، فإن العراق يحتاج إلى 4,5 مليون طن من الحنطة، في وقت بلغ أقصى معدلات إنتاجه الحالي أقل من مليوني طن. 

في الشأن ذاته، يقول وكيل وزارة الموارد المائية عون ذياب، لـ"ارفع صوتك": "ملء سد إليسو من الجانب التركي سبب ضرراً كبيراً بحصة العراق المائية، لكن الخطر كله يأتي من سد الجزرة، الذي يعني اكتماله وملؤه جفاف سد الموصل". 

ويؤكد أن العراق مستمر بمخاطباته الرسمية، لرفض إنشاء سد "الجزرة" لما قد يتسبب به من تأثير سلبي كبير على إيرادات العراق كماً ونوعاً. 

ويقع سد "إليسو" على نهر دجلة على بعد أقل من 70 كم من الحدود العراقية، بسعة تخزينية تبلغ 10,40 مليار متر مكعب.

وتبلغ قدرة محطته الكهرومائية حوالي 1200 ميغاوات. وتشغيله سوف يكون له تأثيرات كبيرة على نهر دجلة من النواحي الهيدرولوجية والهيدروجيولوجية والمورفولوجية والبيئية. 

في المقابل، تقول تركيا إن "سد الجزرة سيكون مكملاً لسد إليسو، فهو يقع إلى جنوب إليسو بمسافة 35 كيلومتراً وعلى مسافة 4 كيلو متر شمال مدينة الجزرة قرب الحدود السورية. ويبلغ حجم الخزان الكلي للسد 1,2 مليون متر مكعب وتبلغ قدرة محطته الكهرومائية 240 ميغاوات". 

ويرى خبراء أن اكتمال مشروع سد "الجزرة" يعني تحويل العراق رسمياً من منتج للمحاصيل الزراعية إلى مستورد، لأن إنشاء السد سيكون لغرض تحويل جميع المياه إلى الأراضي التركية عبورها الحدود الدولية التركية – العراقية. 

ويشير  صائب المندلاوي أستاذ الجغرافيا في كلية الآداب، إلى أن "اكتمال مشروع الجرزة دون أي اتفاقات ومذكرات تفاهم مع الجانب العراقي، ووفقاً لما تنشره وسائل الإعلام التركية، سيمثل رصاصة الرحمة في قلب الزراعة العراقية وتاريخها، بدءاً من سد الموصل وصولاً إلى شط العرب". 

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.