"لا أستطيع أن أمارس حياتي الطبيعية ووظيفتي كمدرس، لأنني أعاني من ضيق التنفس والإرهاق"، يقول عثمان محمد، الناجي من مجزرة حلبجة، حيث استهدفت محافظة حلبجة الكردية شمال العراق بالقصف الكيميائي.
والتقى "ارفع صوتك" عثمان، للحديث عن تجربته، في "يوم إحياء ذكرى جميع ضحايا الحرب الكيميائية"، المقر من الأمم المتحدة، والموافق 30 نوفمبر من كل عام.
يضيف عثمان: "لا أستطيع أن أمارس وظيفتي كزملائي الذين لا يعانون من أي مشاكل أو آثار التعرض للسلاح الكيمياوي، فأنا لا أتمكن من استكمال درس أو درسين متتالين أو القيام بالنشاطات، لأنني أتعرض لنوبة من السعال وضيق التنفس، إضافة للمعاناة من تأثيرات الإصابة على عيني وجهازي التنفسي".
لم يكن عُمره تجاوز الثمانية أعوام، حين تعرضت حلبجة للقصف الكيميائي، وظل طيلة السنوات الـ33 الماضية، يحمل في مخيلته مشاهد وصور ذلك اليوم الذي غير حياته كلياً، وما زال يعاني من تأثيراتها حتى اليوم.
"كان يوما صعباً ومأساوياً جدا.. كنا مختبئين في قبو منزلنا ونسمع أصوات الطائرات التي غطت سماء المدينة، والخوف سيد الموقف، وملامح الرعب والقلق على وجوهنا، كما نراه في عيون الأكبر منا سناً"، يوضح عثمان.
وقررت عائلته بعد فترة من البقاء في القبو، الخروج والهرب إلى خارج حلبجة كي تنجو من الغازات السامة.
يبيّن عثمان: "عند خروجنا رأيت مشاهد مأساوية لن تمحى من ذاكرتي أبدا. كانت الأزقة والشوارع مليئة بالجثث، وكنا نمشي عليها، فيما تنهش الغازات السامة أجسامنا. ورأيت الآلاف من أبناء مدينتي يتساقطون على الأرض واحداً تلو الآخر، بعد أن فتكت بهم الأسلحة الكيماوية، وآخرون كانوا يتراقصون ألماً قبل موتهم، إثر تعرضهم لغاز الأعصاب".
وفقدت والدته الوعي في الطريق، فاضطر والده إلى حملها. وتمكنت العائلة من الخروج بصعوبة، وجميع أفرادها يعانون إصابات متعددة، أفقدتهم القدرة على الرؤية في نهاية المطاف، وكغيرهم من المصابين الناجين من حلبجة، نقلتهم المروحيات الإيرانية إلى إيران لتقلي العلاج.
"بعد فترة وجيزة من تلقي العلاج الأولي، نقلنا أنا وإحدى أخواتي إلى سويسرا لاستكمال العلاج، فيما نقلت أختاي الأخريان إلى الولايات المتحدة الأميركية للعلاج، وبعد أشهر أعادونا إلى إيران وسلمونا لدور الأيتام، لأن والديّ لم يكونا موجودين"، يتابع عثمان.

ويشير إلى أن والده وبعد بحث طويل عنهم، وبمساعدة الأقارب، تمكن من إيجادهم، ليجتمع شمل العائلة مجددا.
صحيح أن عثمان وعائلته نجوا من الموت، لكنهم عانوا الكثير خلال السنوات التي أعقبت القصف، إذ فقدوا جميع ممتلكاتهم، وبدأوا حياة جديدة من الصفر.
وكانت الحالة الصحية لوالدي عثمان تتأزم يوما بعد يوما حتى توفيا على أثر الإصابة بعد سنوات قليلة من القصف، وما زالت البقية من عائلته تعاني آثار الأسلحة الكيميائية، وتدهور أوضاعهم الصحية وسط انعدام الأدوية الخاصة بهم والعناية الطبية داخل العراق، كما تمنعهم أوضاعهم المعيشية من السفر خارج البلاد لتلقي العلاج.
كما عائلته "لم تتمكن من العودة إلى الحياة السعيدة التي عاشتها قبل الإبادة الجماعية"، حسب تعبيره، مردفاً "بعد مرور هذه السنوات ما زالت أجواء الحزن والكآبة تطغى على حلبجة، التي تعاني من التهميش والدمار، بينما تظهر آثار السلاح الكيمياوي في كل مكان، خاصة على الصحة والحياة الاجتماعية لسكان المدينة".
ويقول عثمان في ختام حديثه "نحن ضحايا الأسلحة الكيمياوية لم نتلق حتى الآن العناية اللازمة والعلاج المطلوب وإعادة التأهيل النفسي والاجتماعي؛ كي نتمكن من التغلب على الآثار الجسدية والنفسية للإصابة، ولم نتلق حتى الآن التعويضات عما تعرضنا له من إبادة".
وتشير إحصائيات رسمية صادرة عن جمعية "ضحايا القصف الكيميائي" في حلبجة، إلى أن أعداد المصابين المسجلين الذين يعانون من آثار القصف حتى الآن في كردستان يبلغ ٩٧٢ مصابا، توفي منهم نحو ٢٢٠ مصابا جراء آثار الإصابة منذ عام ٢٠٠٣ وحتى الآن.
بدوره، يؤكد رئيس الجمعية لقمان عبد القادر، لـ"ارفع صوتك"، أن "المصابين بالأسلحة الكيميائية في حلبجة، ما زالوا يعانون من آثار الإصابة المتمثلة بضيق التنفس والتهابات مزمنة في القصبات الهوائية وأمراض الرئة وفقدان البصر والمشكلات الجلدية والإرهاق الدائم".
"كما تعاني غالبية النساء اللائي تعرضن للإصابة من الولادة المبكرة عبر العمليات القيصرية أو للإجهاض التلقائي خلال الأشهر الأخيرة من الحمل، بسبب معاناتهن من مشاكل التنفس، إلى جانب مشاكل نفسية مختلفة ومشاكل اجتماعية"، حسب عبد القادر.
وتعرضت مدينة حلبجة في كردستان العراق، للقصف بالأسلحة الكيميائية، شنته القوات العراقية بقيادة الرئيس السابق صدام حسين، في 16 مارس 1988، وأسفر عن مقتل أكثر من خمسة آلاف مدني كردي، وإصابة أكثر من ١٠ آلاف آخرين.