العراق

سدد العراق دفعتها الأخيرة.. القصة الكاملة لتعويضات الكويت

23 ديسمبر 2021

يطوي العراق بتسديد الدفعة الأخيرة من التعويضات المالية، ملف الخسائر مع الجارة الكويت إثر غزوها من قبل نظام صدام حسين، في آب من عام 1990.

تسببت عمليات الاجتياح العسكري العراق، ثم الانسحاب تحت وطأة ضربات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لاحقاً، بخسائر فادحة في أغلب البنى التحتية للمؤسسات الكويتية، انضافت الخسائر في الأرواح والممتلكات الخاصة للمواطنين.

وبحسب تقرير صادر عن صندوق النقد العربي والجامعة العربية ومنظمة الدول العربية المصدرة للبترول (أوابك)، عام 1991، فقد قدرت خسائر الاجتياح بأكثر من 160 مليار دولار للكويت و190 مليار دولار للعراق. كانت كلها نتيجة دمار آبار النفط وخطوط الأنابيب ووسائل الاتصالات والطرق والمباني والمصانع في البلدين.

وعقب الغزو، تشكلت عام 1991 لجنة أممية للتعويضات ألزمت بغداد بدفع 52.4 مليار دولار تعويضات للأفراد والشركات والمنظمات الحكومية الكويتية وغيرها ممن تكبد خسائر ناجمة مباشرة عن الغزو.

ومنذ ذلك التاريخ، رزح العراق تحت وطأة الفصل السابع بحسب قرار مجلس الأمن الدولي المرقم 660، في إطار عقوبات أممية.

وظل العراق، طيلة الثلاثين سنة الماضية، يدفع مبلغ التعويضات إلى صندوق أممي تم إنشاؤه تحت اسم صندوق الأمم المتحدة للتعويضات. وكانت أغلب هذه التعويضات تسدد من أموال النفط، إذ يعتمد العراق بنحو 98% من إيراداته السنوية على تصدير النفط.

لكن هذا الأسبوع فقط استطاع العراق إزاحة على الحمل الثقيل عن كاهله، فقد أعلن البنك المركزي العراقي دفع كامل التعويضات المالية البالغة 52.4 مليار دولار.
وذكر البنك في بيان أنه تم إكمال دفع الدفعة الأخيرة المتبقية وقيمتها 44 مليون دولار.

العدد يسدد

 بدأ العراق فعليا بتسديد التعويضات عام 1996، منذ الاتفاق الذي جاء بعنوان "النفط مقابل الغذاء"، مع الأمم المتحدة والذي كان ينص على تسديد 30٪ من قيمة كل برميل نفط عراقي مصدر.

وبعد أبريل 2003، وبموجب قرار مجلس الأمن الدولي 1483، تم وضع آلية بديلة ضمنت استقطاع 5٪ من قيمة كل برميل نفط خام مصدر من العراق توجه للكويت من خلال حساب مصرفي عرف بصندوق "تنمية العراق"، فتح لدى البنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك باسم البنك المركزي العراقي.

لكن في عام 2018، تم تخفيض قيمة التعويض الشهرية إلى 3% في صندوق أممي تم إنشاؤه مجددا تحت اسم "صندوق الأمم المتحدة للتعويضات".

ويرى معنيون بالشأن الاقتصادي أن الأموال العراقية المتدفقة نحو تعويض الكويت، والتي كانت تمثل 5% من قيمة الصادرات النفطية، يجب أن تستثمر في تحريك الاقتصاد الوطني بعد أن طوي ذلك ملف التعويضات بشكل نهائي.

ويشدد مستشار رئيس الوزراء الاقتصادي، مظهر محمد صالح، خلال حديث لـ"ارفع صوتك"، على ضرورة "الحفاظ على مسار تحول المبالغ المقابلة للتعويضات لتكون مذخرات تصب في دورة الاقتصاد الوطني خاصة التوجه نحو تمويل المشاريع الاستثمارية المدرة للدخل".

الفصل السابع

وكان رئيس لجنة الخبراء الماليين العراقية عبد الباسط تركي توقع قبل أيام أن يتخلص العراق، مطلع العام المقبل، من طائلة وقوعه تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة بعد الإيفاء بالتزاماته المالية المتعلقة بتعويض دولة الكويت.

ويفرض الفصل السابع حظرا على العراق في الحصول على السلاح إضافة لتدابير حظر أخرى تتصل بالتجارة وتقديم الموارد المالية أو الاقتصادية فضلاً عن قطع العلاقات الدبلوماسية معه. لكن بعض هذه التدابير خُففت أو ألغيت بعد سقوط النظام السابق عام 2003.

ويؤكد الخبير القانوني طارق حرب لـ"ارفع صوتك" أن "العراق قد خرج من طائلة البند السابع منذ عدة سنوات. وما انتهى حاليا هو ما يتعلق باللجنة الخاصة بالديون التي كانت تستند للفصل السابع من خلال استقطاع مبالغ من العراق".

وكانت الخارجية العراقية أعلنت في 9 ديسمبر 2017 خروج بلادها من البند السابع لميثاق الأمم المتحدة، استناداً لقرار اصدره مجلس الأمن.

إلا أن مختصين ومسؤولين، بينهم محافظ البنك المركزي السابق، عبد الباسط تركي، أكدوا أن هنالك التباساً في فهم قرار مجلس الأمن وأن العراق بقي تحت طائلة الفصل الأممي حتى الانتهاء من تعويضات خسائر الكويت. وهو ما حدث الآن.

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.