زار بعضها مرة أو مرتين.. قصور صدام تتحول لركام
شيّد صدام حسين إبان فترة حكمه عشرات القصور والمجمعات الفخمة، حفرت أحرف اسمه الأولى على جدرانها، لكن معظمها بات اليوم ركاما أو قواعد عسكرية، أما ما تغلب منها على امتحان الزمن فقد وجد حياة جديدة بعد حقبة الدكتاتور.
ويزيد عدد هذه القصور والمجمعات الرئاسية عن المئة تضم مباني ضخمة في سبع محافظات لكن غالبيتها في بغداد ومدينة تكريت مسقط رأس صدام حسين الواقعة على بعد 180 كيلومترا شمال العاصمة.
على الجدران الخرسانية الضخمة، حفر الدكتاتور أحرف اسمه الأولى إضافة إلى أسماء معاركه ضد إيران وغيرها.
كان أحد قصور صدام الرئاسية في البصرة.. جولة داخل متحف البصرة الحضاري والقاعات المخصصة للحضارات السومرية والبابلية والآشورية والإسلامية pic.twitter.com/IgPw4OoFfZ
— IrfaaSawtak ارفع صوتك (@IrfaaSawtak) August 24, 2021
إثر سقوط النظام السابق مع الغزو الأميركي العام 2003، نهبت غالبية هذه القصور قبل أن تحولها القوات الأجنبية إلى مقرات عسكرية.
واليوم أصبح عدد قليل منها منشآت مدنية فيما ترك وأُهمل أو دمر ما تبقى منها خلال المعارك التي مزقت البلاد.
يقول رئيس هيئة الأثار والتراث ليث مجيد حسين لوكالة فرانس برس "لدينا الإمكانية أن نجعل من القصور متاحف، على الأقل في بغداد".
ويضيف: "نستطيع أن نقيم متحفا للسجاد أو متحف العائلة الحاكمة أو للفن الإسلامي".
لكنه يشير الى أن بعض القصور "ضخمة جداً ويحتاج إعادة تأهيلها إلى موارد مالية طائلة".
وبدأ تشييد هذه القصور في نهاية ثمانينات القرن الماضي واستكملت في منتصف التسعينات، في ذروة الحصار الاقتصادي الذي فرض على العراق.
ويفيد مسؤولون أن صدام حسين زار بعض هذه القصور مرة أو مرتين فقط لكنها كانت تحظى بحماية مشددة من قوات أمنية خاصة ولم يشاهدها أنذاك سوى عمال شاركوا في تشييدها.
ويقول مسؤول حكومي لوكالة فرانس برس، فضل عدم كشف اسمه، إن "البيروقراطية والفساد حالا دون إصلاح القصور وتحويلها إلى مرافق سياحية وتراثية".
رمزية الدكتاتورية
تضم بغداد مجمعات لقصور رئاسية تحول قسم منها إلى مبان حكومية. وحول أحدها إلى "جامعة أميركية" خاصة فتحت على يد مستثمر عراقي في قصر "الفاو"، وهو أول قصر يمنح للاستثمار الخاص.
ويقع هذا القصر الذي تحيط به بحيرات وعدد من المباني الصغيرة من الحجر والرخام الأنيق قرب مطار بغداد. وكان معدا لاستقبال كبار الضيوف لكنه حول إلى مقر للجيش الأميركي بعد 2003.
ويشعر مايكل مونلكس رئيس "الجامعة الأميركية" بفخر بالحال التي أصبح عليها المجمع بعد تأهيله.
يقول: "كل المباني الأخرى كانت محطمة والشبابيك مدمرة والأفاعي على البلاط والطيور تنتقل في فضائه كانت فعلاً فوضى".
ويتابع مونلكس وهو ينظر إلى حروف "ص.ح" المحفورة في سقوف القصر المزينة بنقوش ملونة: "صدام حسين كان لديه غرور كبير وترى حروف اسمه في كل مكان".
وأضاف: "كنا نتساءل ماذا نفعل بها أنزيلها أم نغطيها؟" لكن في النهاية كان القرار بالإبقاء عليها كما هي لأن هذا "مكان تاريخي".
ويختم مبررا رمزية المكان بـ"أنه قصر الدكتاتور السابق، الآن تحول لمؤسسة تعليمية لفائدة كل العراقيين".
وفي البصرة، أقصى جنوب العراق، بنى صدام حسين ثلاثة قصور كبيرة تطل على شط العرب بات اثنان منها مقرا للحشد الشعبي، تحالف فصائل موالية لإيران باتت منضوية مع القوات الأمنية، فيما تحول الأخير إلى متحف تابع لوزارة الثقافة.
ويقول قحطان العبيد مفتش آثار تراث البصرة، بفخر: "استطعنا تغيير رمزيته الدكتاتورية الى رمزية ثقافية".
وتعتبر البصرة "المحافظة الوحيدة التي نجحت في تحويل أحد القصور الى مبنى لائق وتراثي"، وفقا لهذا المسؤول، موضحا أن "هناك عددا كبيرا من القصور، أكثر من 166 مبنى بين قصر ومنزل" فخم.
حكومات لم تبن شيئا
تسعى السلطات المحلية في محافظة بابل إلى تحويل قصر في مدينة بابل الأثرية إلى متحف. ويطل هذا القصر على الموقع الأثري وقد شيد على تل صناعي على ارتفاع 90 متراً.
ويضم قصر بابل أيضا أحرف صدام منقوشة على الجدران وكذلك نقوشا لصدام وملوك من الحضارات القديمة مثل نبوخذنصر الثاني.
تحمل جدران كل قاعة أسماء المعارك التي خاضعها العراق خلال حربه مع إيران (1980-1988) مثل "رمضان مبارك" و"محمد رسول الله".
تتدلى اليوم في القاعات الكبرى المهجورة ثريات متهالكة، فيما انتشرت على الجدران كتابات لزوار أتوا لالتقاط صور.
وحول عدد من المباني والمرافق الخدمية المحيطة بالقصر إلى منتجع سياحي.
ويقول عبد الستار ناجي مدير منتجع بابل: "عندما دخلنا الموقع العام 2007، كان بحالة يرثى لها، الحكومة المحلية قررت أن يكون الموقع متنفسا لأهالي بابل والمناطق المجاورة والمحافظات الأخرى".
ويوضح معماري كان يعمل في زمن النظام السابق، إن "الحكومات المتعاقبة لم تبن شيئا ولم تستطع أن تقوم بما قام به صدام في بناء القصور".
وعلى ضفاف نهر دجلة يضم المجمع الرئاسي في تكريت، أكثر من 30 قصراً تحول معظمها إلى أطلال جراء المعارك ضد تنظيم داعش، فيما استحال مبنى صغير فيه يطل على نهر دجلة، إلى مزار لكونه كان شاهداً على إعدام ما لا يقل عن 1700 من المجندين في يونيو 2014، بعد اختطافهم من معسكر سبايكر القريب.