بومدين يتوسط صدام حسين (يمين) وشاه إيران لإبرام اتفاق بين العراق وإيران عام 1975 (ويكيبيديا)

رغم مضي أكثر من أربعة عقود على توقيع ما يعرف بـ"اتفاقية الجزائر"، إلا أنها لا تزال تشكل مثار جدل واحتدام بين الجانبين العراقي والإيراني في تنازع الحدود المائية عند شط العرب.

وكان العراق وإيران قد وقعا اتفاقية حسن الجوار أو ما سميت لاحقاً الجزائر في مارس من عام 1975، وتضمنت الاتفاق على تنظيم التدفقات المائية وتحديد نقطة خط القعر عند شط العرب كحدود بين الدولتين.  

حرب الخليج الأولى التي استمرت ثمان سنوات لم تنه بين البلدين صراع ترسيم الحدود وتثبيت الخرائط وتحديدها على أرض الواقع بعد أن عانت الاتفاقية المبرمة مواسم إلغاء وتفعيل لأكثر من مرة.

ويشهد العراق منذ سنوات أزمة مائية ارتفعت حدّتها خلال العامين الماضيين جراء قيام إيران بقطع أكثر من 42 نهراً ورافداً مما تسبب بموجة جفاف غير مسبوقة، قضت على آلاف الدوانم وارتفاع نسب التصحر، بما دفع إلى نزوح مئات العوائل ممن يعتاشون على الزراعة.

وكانت وزارة الموارد المائية بدأت منذ أواخر العام الماضي، بتدويل ملف المياه وأزمتها مع إيران بعد تمسك الأخير بخنق المياه عن الأنهر العراقية.

اليوم وعقب ذلك النزاع الطويل الممتد، تعيد بغداد قراءة اتفاقية الجزائر، عبر لجنة من الخبراء لتقييم بنودها القانونية وتعارضها مع مصالح البلاد وخصوصاً ما يختص بالمياه وترسيم الحدود.

وترأس مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي الورشة التي بدأت الأربعاء تحت عنوان "اتفاقية الجزائر عام 1975 بين الإلغاء أو التنفيذ"، بحضور رئيس دائرة الدول المجاورة والمستشار القانوني في وزارة الخارجية وأساتذة القانون والدراسات الإستراتيجية في الجامعات العراقية والمختصين في وزارات الدفاع والنقل والموارد المائية ودائرة المستشارين والموانئ العراقية.  

وجاءت الاتفاقية التي وقعت في العاصمة الجزائرية آنذاك بحضور الرئيس الراحل بومدين، لدفع نظام شاه إيران بوقف الدعم للقوى الكردية في كردستان التي كانت تخوض صراعاً مسلحاً مع القوات العراقية.

إلا أن صدام حسين الذي حضر توقيعها عندما كان يشغل منصب نائب رئيس الجمهورية، ألغى العمل بتلك الاتفاقية بعد 4 سنوات عقب وصوله لرئاسة البلاد في عام 1979.

وبعد 11 عاماً عاد الرئيس السابق صدام حسين، للعمل بموجب اتفاقية الجزائر، بغية تأمين علاقة شرقية آمنة مع إيران في خضم غزو الكويت وتحرك قوات التحالف الدولي لاسترجاعها من احتلال نظام بغداد آنذاك.

وعلى وقع التعطيل والتفعيل للاتفاقية المثيرة للجدل، يخسر العراق منذ ذلك الحين، يوماً بعد آخر المزيد من أجزائه النهرية في شط العرب.

الخبير في ترسيم الحدود الدولية والمائية، جمال الحلبوسي، يؤيد بشدة فتح ملفات الاتفاقية وتأشير مواضع عدم الالتزام الإيراني بما جاء فيها بشأن مواثيق حسن الجوار.

ويشير الحلبوسي إلى أن "الموضوع يتعلق بجوانب فنية وهندسية وهايدروغرافية، وهو ما يفرض إبعاد السياسية عن ذلك الملف حتى تكون الرؤية واضحة وخاضعة للمقاسات التطبيقية".

وكانت وزارة الموارد المائية العراقية قد اتهمت في وقت سابق الجانب الإيراني باستخدام حرب قطع الأنهار عن العراق لإخضاعه بالتسليم والعودة إلى اتفاقية الجزائر.

ويضيف الحلبوسي لـ"ارفع صوتك"، أن "بغداد أبدت تعاوناً منقطع النظير في جانب الخلافات الدائرة بشأن الأنهار وترسيم الحدود، غير ان طهران ترفض التعامل مع شط العرب على أساس الانحراف الصناعي، بعد قيامها بحذف وإضافة مناطق محاذية تأكل من جرف الجانب العراقي".

وحول إمكانية إلغاء ما جاء في ورقة الجزائر،  يؤكد الحلبوسي أن الأعراف الدبلوماسية واتفاقيات جنيف لا تسمح بذلك الأمر وإذا ما اضطر لذلك لا بد من الرجوع إلى الاتفاقية التي ما قبلها وهو ما ترفضه إيران لكونها الخاسر الأكبر فيها.

وسبقت مقررات الجزائر، بروتوكلات عديدة لترسيم الحدود بين البلدين كان أولها في عام 1843، عرفت باتفاقية "أرض روم"، ولحقتها  فيما "أرض روم الثانية"، 1847، واتفاقيات عام 1911 و1913.

وتعد اتفاقية عام 1937 أوّل اتفاقية رسمية يوقعها العراق منذ قيام الدولة مع الجانب الإيراني، التي حددت بموجبها "خط التالوك"، بوضع شط العرب نهراً وضفة غربية للجانب العراقي والجهة الشرقية للجانب الإيراني باستثناء عشرة أميال تقعان امام منطقة "المحمرة" و"عبادان".

إلا ان إيران عادت بعد 3 عقود، ورفضت تلك الاتفاقية بعدم الاعتراف بخط التالوك والرجوع إلى نقطة القعر عند شط العرب، التي حددت في ورقة عام 1913. 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.