في الأول من أبريل في كل عام، يحيي الأشوريون والسريان والكلدانيون في العراق، وسوريا أيضا، احتفالات عيد "أكيتو" الذي مازال حاضراً في طقوسهم ووجدانهم رغم مرور آلاف السنين على ذكراه.
و"أكيتو"، هو أحد أقدم الأعياد الدينية التي عرفتها الحضارات الإنسانية في بلاد الرافدين رغم الاختلاف في تحديد معناه وبدايات ظهوره.
وبحسب المصادر التاريخية، فإن بدايات ذلك العيد تقع بين الألفين الرابع والخامس قبل الميلاد، فيما يشير عدد من المؤرخين إلى أن السومريين والساميين احتفلوا به منذ عصر أريدو أي 5300 ق. م، وبالذات في جنوب بلاد ما بين النهرين وباسم "زاكموك Zag mug". وكان يُحتفل به مرتين في العام الواحد، في الربيع والخريف.
أما الساميون الذين سكنوا العراق القديم قبل وأثناء وبعد السومريين فقد اختاروا له تسمية "أكيتو" وتعني "الحياة".
سلوان أيوب أحد المهتمين بالحضارة الآشورية يتحدث عن "أكيتو" وجذوره التاريخية والمراحل التي أكسبته العديد من الممارسات والطقوس، حيث يشير إلى أن بدايته تعود إلى القرن السادس قبل الميلاد وتحديداً في مدينة أور عند حضارة وادي الرافدين.
ويوضح أيوب لـ"ارفع صوتك" أن "أكيتو يمثل رمزاً دينياً مقدساً وهو عيد رأس السنة البابلية الآشورية وتستمرّ الاحتفالات به لمدة 12 يوماً، يشهد فيها ممارسات وطقوسا تتمثّل فيها أسطورة الخلق وأسطورة "إينوما إيليش"، لتعود خلالها الحياة للإله مردوخ على يد ابنه الإله نابو، لتبعث الحياة في الطبيعة في دورة حياة جديدة".
وكلمة أكيتو كانت تسمى أو تُلفظ عند بعض الساميين "حِجتو" وذلك في اللغة الأكادية والعربية لاحقاً، أما في اللغة السريانية الآرامية فلا تزال كلمة "حج" تعني الاحتفال إلى اليوم.
وفي اللغة البابلية القديمة كانوا يسمون هذا العيد "ريش شاتم". وتعني كلمة ريش: رأس، و شاتم تعني: سنة . وفي لغة "السورث" المحكية حتى اليوم في العراق من قِبَل الكلدان لا يزال يلفظونها : "ريش شاتة" أي رأس السنة.
واستناداً لبحوث تاريخية، فإن ذلك العيد كان معروفاً منذ الأزمنة العتيقة لبلاد ما بين النهرين في مدن مثل أريدو ، وأور ، ولجش، وكيش ، وأوروك. وهو واحد من عيدين رئيسيين: زاكموك وأكيتو.
وزاكموك هو عيد الاحتفال بحصاد الشعير، وأيضا عيد الاعتدال الخريفي المتزامن مع موسم قطف التمور. وكان يحتفل به في الخامس عشر من شهر أيلول من كل عام، ويرمز لقدسية نخلة بلاد الرافدين ولتجدد وخصب الأرض المتمثلة بشعائر الجنس في "الزواج المقدس" ورمزه الإله السومري "دموزي" وزوجته "أنانا" واللذين تم اقتباسهما في شخصية الإله "تموز" وزوجته "عشتار" عند البابليين. ولاحقا، تمت الاستعاضة عنهما بشخصية الإله "مردوخ" وزوجته "صربانيتوم" أثناء الإحتفال بعيد الأكيتو في بابل.
وطبقاً لما أروده الباحث في هذا المجال طلعت ميشو، فإن أكيتو في جذوره القديمة الأولى كان عيداً شعبياً لجز صوف الماشية والأغنام، وكان يُحتَفَل به بين شهري آذار ونيسان، ويُمثل رأس السنة الجديدة (الاعتدال الربيعي)، ثم أصبح من المتعارف عليه الاحتفالي بهِ في اليوم الأول من شهر نيسان في كل عام في إقليميَ الوسط والجنوب من بلاد النهرين.
من جانبه يقول الإعلامي والمهتم في تاريخ الحضارة الأشورية بسام ككا، خلال حديث لـ"ارفع صوتك"، أن الاحتفال بعيد أكيتو كان يتم لدى السومريين في شهري نيسان وتشرين وكان يسمى "أكيتي"، ومن ثم في عصور لاحقة أطلق عليه "أكيتو" وعند الأكيديين يعرف ب"أخيتو".
ويؤكد ككا أن "الاحتفال بذلك العيد بقي حتى القرن الثاني قبل الميلاد قبل أن تتعرض بلاد الرافدين إلى غزوات الإمبراطوريات المقدونية والفارسية والساسانية".
وتتمثل طقوس الاحتفال بعيد "أكيتو" لدى بابل القديمة بانطلاق موكب الملك وخلفه رعية من عامة الشعب على وقع تراتيل دينية تمجد الإله مردوخ فضلاً عن ممارسات أخرى بينها رش الماء وشراب النبيذ، بحسب ككا.
ويقوم ككا: "بقي ذلك العيد حتى وقت قريب بعيدا عن الإحياء والاحتفاء به، في العراق تحديداً، قبل أن يعود مجدداً بعد 2003، حيث ارتبطت عودته بتجييره لصالح أغراض سياسية من بعض الجهات التي تستغل الاحتفال فيه بالترويج لأحزابها وكياناتها".