In this Sept. 11, 2017 photo, a fisherwoman prepares to lay out her netting beside a bank of reeds in the marsh of Chabaish,…
عدد من يعيشون تحت خط الفقر في العراق بات أكثر 12 مليوناً و600 ألف شخص.

تجري في العراق حاليا مناقشات حول إصدار تشريع قانوني جديد حول "الدعم الطارئ للأمن الغذائي" بغية تقليل معدلات الفقر وتحقيق الاستقرار المعيشي.

وبحسب مسودته الأولية، فإن مشروع قانون "الدعم الطارئ للأمن الغذائي"، الذي أتم مجلس النواب السبت الماضي القراءة الأولى له، يمول من حسابات وزارة المالية إلى جانب منح وإعانات الدول والمنظمات المحلية والدولية.

وستخصص 35 بالمائة من هذه الإعانات لتحقيق الأمن الغذائي وتخفيف حدة الفقر والتنمية، ويخصص مثلها لمشاريع الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة، فيما يذهب ما تبقى من الأموال لتعزيز السيولة الوقائية للخزينة العامة والديون الخارجية واستيراد الغاز والطاقة وكلف إنتاج النفط والنفقات الطارئة.

وقد أثار هذا القانون جدلاً كبيراً، حيث اعتبره بعض العراقيين وسيلة جديدة للفساد واستنزاف الأموال. لكن مؤيديه يجدونه حلاً لمواجهة الأزمات الاقتصادية في البلاد.  

وبحسب بيانات وزارة التخطيط، فإن بغداد التي يبلغ عدد سكانها نحو 9 ملايين نسمة، يجد أربعة ملايين من سكانها صعوبة في توفير لقمة العيش. 

ووفقاً لدراسة أجرتها الوزارة بالتعاون مع البنك الدولي واليونيسف، فإن ثلث سكان البلاد يعيشون تحت خط الفقر.

وفي عام 2020 وحده، زادت نسبة الفقر في العراق بـ3 بالمئة مقارنة بعام 2019، أي أن عدد من يعيشون تحت خط الفقر بات أكثر 12 مليوناً و600 ألف شخص.

 

أحزاب وفساد

 

يقول المحامي زياد خلف لـ"ارفع صوتك" إن "تأييد مشروع هذا القانون لم يكن من جانب العراقيين البسطاء، بل هو من ضمن اختيارات بعض الكتل السياسية المتنفذة للاستفادة مادياً ولتغطية نفقاتها".

ويرى أن "المعضلة تكمن في مخالفة القوانين الدستورية، إذ لا يحق لحكومة مؤقتة مهمتها تصريف الأعمال أن تشرع القوانين".

ويضيف أن "الاحتمالات المتوقعة هي أن تكون فائدة تشريع هذه القوانين، وفي مثل هذه الظروف غير المستقرة- لصالح السياسيين وأحزابهم، حيث الفساد واستغلال المناصب".  

ويعتقد الباحث الاقتصادي حامد علوان أن قانون "الدعم الطارئ للأمن الغذائي" لن يخدم إلاّ فئة قليلة من الشعب، حيث الجماعات التي تنتمي للأحزاب ومستثمريهم ومشاريعهم.

ويقول لـ"ارفع صوتك" إن "الذي ليس لديه (واسطة) أو محسوبية عند المتنفذين في السلطة لن يتمكن -مثل كل مرة - من الاستفادة، لأننا نكتشف دوماً أن هذه القوانين مفصلة على مقاساتهم".    

ويستغرب الباحث من اهتمام القانون بمشاريع الوزارات. الأمر الذي يلقي الضوء على قضايا الإنفاق وعلى التلكؤ الحاصل في تنفيذ تلك المشاريع وإنجازها بالكامل.

ويضيف متسائلاً: هل سيعالج هذا القانون النقص الحاصل في نفقات المشاريع التي قد تلحق بها تهم الفساد؟

ويعتقد الباحث أن القانون وبشكله المطروح حالياً، لن يقضي على الفقر لأنه سيفتح باباً مرعباً لإمكانية تزايد الديون التي سيتحمل تبعاتها الكارثية الأجيال اللاحقة.  

ووفقا للمستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء العراقي، مظهر محمد صالح في تصريح إعلامي سابق، فإن إجمالي حجم الدين الداخلي والخارجي الفعلي للعراق هو 79 مليار دولار. ويمثل هذا الدين نحو 45 بالمئة من حجم الناتج المحلي البالغ 178 مليار دولار في عام 2021،

 وينضاف إلى هذا مبلغ معلق لم تجر تسويته بموجب اتفاقية نادي باريس لتسوية المديونية الخارجية للعراق، يعود إلى ما يسمى بديون قبل عام 1990 ويقدر بنحو 41 مليار دولار.

ويتساءل علوان، قائلاً: " كيف يمكن تفسير القانون الذي سيُشرع على أساس اللأمن الغذائي وتقليل الفقر بينما تضم فقراته عبارة "ويذهب ما تبقى من الأموال لتعزيز السيولة الوقائية للخزينة العامة والديون الخارجية واستيراد الغاز والطاقة وكلف إنتاج النفط والنفقات الطارئة".

وأضاف: "لأعوام طويلة والحكومة تخصص ميزانيات ضخمة وتنفقها كان من المقرر على مشاريع استثمارية واستيرادية وإنتاجية، لكن كل ما حدث في النهاية عجز بالنفقات وتضخم بالسوق ومشاريع لم تنجز فضلاً عن تزايد معدلات الفقر والبطالة".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

فقد تنظيم داعش مصدر تمويله الرئيسي، النفط، بعد خسارته لأراضيه في سوريا والعراق.
فقد تنظيم داعش مصدر تمويله الرئيسي، النفط، بعد خسارته لأراضيه في سوريا والعراق.

يبدو تنظيم داعش، عندما يتعلق الأمر بالتمويل والبحث عن مصادر دخل تنعش موارده المتدهورة، أشبه بكيان متمرس في عالم المافيا والجريمة المنظمة. الكثيرون، بمن فيهم أمراء كبار، انشقوا عنه حينما صدمتهم هذه الحقيقة. 

قيادة التنظيم نفسها تدرك جيدا أن تسليط الضوء على هذا الجانب من نشاطات التنظيم يقوض الصورة التي رسمها لنفسه أمام أتباعه وأنصاره. لذلك لم يتبنَّ يوما أي عملية قتل أو تخريب قام بها باسم جباية ما يسميها "الكلفة السلطانية" رغم أن جزءا من جهوده، لا سيما في شرق سوريا، مكرس لهذا النشاط الشنيع.

 

الكلفة السلطانية

 

منذ خسارة التنظيم للمساحات الشاسعة التي كان يسيطر عليها في سوريا والعراق، وما نجم عن ذلك من فقدانه لما تدره عليه المعابر وحقول النفط من موارد مالية كبيرة، فَعّل التنظيم عددا من "الخطط الاقتصادية" البديلة كان من بينها جباية ما يسميها "الكلفة السلطانية".

تعد " الكلفة السلطانية" نشاطا مدرا للدخل إلى جانب نشاطات أخرى ضمن "اقتصاد الحرب" تضخ في خزينة التنظيم أموالا طائلة، مثل التهريب، والاختطاف، وتجارة الآثار، والسطو على البنوك ومحلات الصرافة، واستحواذه على احتياطات العملة الصعبة والذهب في المدن التي اجتاحها، ونهب ممتلكات الطوائف الأخرى وغيرها.

تزامنت ثورة مواقع التواصل الاجتماعي مع الصعود السريع لتنظيم داعش عام 2013.
"داعش".. خلافة رقمية يطوقها مارد الذكاء الاصطناعي
الشركات التكنولوجية الكبيرة شرعت منذ 2017 في الاعتماد كليا على خوارزميات الذكاء الاصطناعي لرصد وحذف المواد التي تروج للتطرف العنيف على منصاتها، بينما اقتصر دورها في السابق على تكميل جهود فرق بشرية يقع على عاتقها عبء هذه العملية برمتها.

لعدة سنوات ظل التنظيم يجمع " الكلفة السلطانية" لاسيما في مناطق الشرق السوري، حيث تنتشر حقول النفط، والمساحات الزراعية، وممرات التهريب، والمتاجر ومحلات الصرافة. لكنه لم يكن يتحدث عن ذلك لا في إعلامه الرسمي ولا الرديف، بل وتحاشى الاشارة إليها حتى في مراسلاته الداخلية، لأنه يدرك أن جدلا محموما سينتج عن ذلك، وسيحتاج إلى فتاوى دينية وجهود دعائية كبيرة لإقناع أتباعه بـ"وجاهة" أفعاله، وقد خرج أعضاء سابقون في التنظيم ونشروا على قنواتهم الرقمية "أن إرغام المسلمين غصبا وبحد السيف على إعطاء جزء من حلالِهم لثلة من المفسدين في الأرض هو عمل عدواني لا يقوم به إلا أهل البغي وقطاع الطرق".

 

ضريبة على رعايا الخليفة!

 

ينبغي التفريق هنا بين ما ينهبه التنظيم ممن يعتبرهم "كفارا ومرتدين" والذي يسميه ب"الفيء" و"الغنيمة" وبين ما يجبيه باسم "الكلفة السلطانية". فالكلفة السلطانية هي ضريبة يؤديها "المسلمون ورعايا الخليفة" بالقوة والإكراه، أي أن المستهدفين بها هم في عرف التنظيم من المسلمين الذين "لا تحل أموالهم ودماؤهم" ولا تدخل "الكلفة السلطانية" أيضا ضمن الزكاة الواجبة التي تتم جبايتها قسرا من المسلمين من طرف أمنيي التنظيم.

وبعد انكشاف أمر عمليات السطو والنهب هذه لم يجد التنظيم بدا من الحديث عنها في مراسلاته الداخلية، وانتداب أحد شرعييه لصياغة فتوى لتسويغها من الناحية الدينية.

صاغ أبو المعتصم القرشي، وهو أحد كوادر "المكتب الشرعي" لـ"ولاية الشام" فتوى مطولة في 12 صفحة، وحشد فيها مجموعة من النصوص الدينية والقواعد الأصولية التي اعتبرها "أدلة شرعية" على جواز نهب أموال المسلمين بالقوة والإكراه!.

عَرّف القرشي الكلفة السلطانية بأنها " الأموال التي يطلبها الإمام من الناس لأجل مصلحة شرعية". ولعجزه عن إيجاد نصوص قطعية من الكتاب والسنة لتبرير هذه "البدعة الداعشية"، فقد لجأ إلى القواعد الأصولية من قبيل" يُتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام" و" درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"، و" تفويت أدنى المصلحتين لتحصيل أعلاهما"، و"ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب".

يعني هذا ببساطة أن مصلحة استمرار عمليات التنظيم والحفاظ على قوته ومقدراته مقدمة على مصالح الناس الأخرى، وأن تواصل عمليات التنظيم باعتبارها "جهادا مقدسا"  إذا لم يتم إلا بالسطو على أموال الناس فيجب السطو عليها.

أكد القرشي في نص فتواه جواز استخدام العنف والقوة لجباية الأموال، قائلا: "لا شك أن المال عصب الجهاد، والإعداد لا يكون إلا به، فتحصيله وتوفيره واجب على الإمام ولو بالقوة والإكراه"، ومن امتنع عن أداء "الكلف السلطانية جاز للإمام أو من ينوب عنه أن يعزره بشكل يكون رادعا له ولغيره حتى يؤدي ما عليه من الحقوق المالية في هذا الشأن".

أما الفئات الاجتماعية المستهدفة بهذه الضريبة، فقد قدم أبو المعتصم سردا طويلا بأصحاب المهن والمحلات التجارية والأطباء والصرافين والفلاحين والمدارس والكليات وتجار الدجاج والبيض وتجار المواشي والمستشفيات. ولم يترك أي نشاط مدر للدخل إلا وأشار إليه ضمن الذين فرض عليهم دفع "الكلف السلطانية"، ولم يستثن سوى أصحاب البسْطات على الأرصفة.

أخطر ما في الفتوى هو أن الممتنع عن أداء ما يطلبه التنظيم من أموال سيكون مصيره القتل والحكم عليه بالردة، و" طريقة استخدام القوة تتفاوت حسب المعاندة والممانعة بين التهديد، والإتلاف لبعض المال، أو التعزير، أو التغريم المالي وحتى الجسدي، ثم القتل إذا استعان الممتنع بشوكة الكفار والمرتدين على المجاهدين فعندها يُطبق عليه حكم الردة" حسب تعبير أبي المعتصم القرشي.

 

معاناة الناس في شرق سوريا

 

في شرق سوريا، يتم استخلاص هذه الضريبة بعد توجيه رسائل تهديد بأرقام دولية عبر تطبيق واتساب إلى المعنيين، وتخييرهم بين دفع "السلطانية" أو مواجهة خلايا الاغتيال، بعد تخريب ممتلكاتهم وتقويض مشاريعهم التجارية والاستثمارية.

وحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد ارتفعت هذا العام نسبة تلك الضرائب إلى حد كبير جداً مقارنة بالسنوات الفائتة، حتى بلغت نحو 616 ألف دولار من تجار النفط والمستثمرين.

وحصل المرصد على إفادة من أحد العاملين في شركة مستثمرة في قطاع النفط في المنطقة الشرقية (دير الزور) تقول بأن الشركة رفضت دفع كامل المبلغ المطلوب منها تحت مسمى "الكلفة السلطانية"، والتي قدرها التنظيم بنصف مليون دولار أميركي، ودفعت بدلها 300 ألف دولار، لكن التنظيم هدد سائقي صهاريج المحروقات التي تعمل لصالح الشركة بالاستهداف إذا لم يتم دفع المبلغ كاملا في غضون أسابيع، ولم يعد لدى الشركة خيار آخر سوى تدبير ما تبقى من المبلغ.

مستثمر آخر في قطاع النفط توصل برسالة عبر تطبيق الواتساب من رقم دولي مفادها بأن عليه دفع "الكلفة السلطانية" البالغ قدرها 75 ألف دولار، وعدم إخبار أي جهة تابعة لقسد أو التحالف الدولي بذلك ووجهت له تهديدات في حال التبليغ أو عدم دفع المبلغ خلال أسبوع، وأن خلايا التنظيم ستقوم بزرع عبوة في سيارته أو حرق بئر النفط الذي يعود له.

ولفت المرصد إلى أن خلايا داعش في بادية ريف دير الزور الشرقي تفرض ضرائب تتراوح بين 1000 و3500 دولار، في مناطق ذيبان وحوايج ذيبان وجديد بكارة، على المستثمرين الذين يعملون على توريد المحروقات إلى "سادكوبى" التابعة للإدارة الذاتية في دير الزور.

يعمد التنظيم أيضا إلى حرق المحاصيل الزراعية التي تعود للفلاحين الذين رفضوا الرضوخ لابتزازه ودفع الأموال التي يطلبها منهم، ورمي القنابل اليدوية على منازل الأثرياء، وعيادات الأطباء، وقد هرب عدد من الأطباء من المنطقة الشرقية بعدما أثقل التنظيم كاهلهم بالضرائب و"المكوس"، ولا سيما وقد وضعهم في رأس قائمة أهدافه لأنهم -حسب اعتقاده- يجنون الأموال أكثر من غيرهم.