تعمد الكثير من العوائل إلى دعوة الأقارب على الإفطار في رمضان
تعمد الكثير من العوائل إلى دعوة الأقارب على الإفطار في رمضان

منذ اليوم الأول من رمضان في العراق، وكما في الكثير من البلدان العربية والإسلامية الأخرى، يشعر كثيرون بانتقالة إلى مناخ مختلف، أكثر حميمية وأغنى بالتقاليد والموروثات التي حرص العراقيون على بقائها مستمرة لقرون.

وعلى الرغم من التطور التكنولوجي، يطغى صوت طبلة "المسحرجي" أو المسحراتي باللهجة العراقية في أول فجر لرمضان، يبلغ الناس بضرورة القيام لتناول السحور، وفي الأيام الأولى للشهر، يتحول مرور المسحرجي إلى ما يشبه الاحتفال في الشارع.

وتقول السيدة نوار المرتضى، وهي عراقية من بغداد، إن "المسحرجي يدق على طبلته حتى لو كان الناس كلهم صاحين"، مضيفة لموقع "الحرة" أن "أنغام الطبل ومعها نداء (سحور يا صائمين سحور) تجعل الناس تدخل فورا في الإحساس بقدوم الشهر، على الرغم من أن التطور التكنولوجي جعل الناس أقل حاجة عملية إلى من يوقظهم للسحور.

ماجينة

وعقب الفطور، ينزل عدد كبير من الأطفال بأزياء ملونة، خاصة في المناطق الشعبية والتراثية، وهم يغنون "ماجينة يا ماجينة، حلي (افتحي) الكيس واعطينا".

ويدق الأطفال الأبواب ويجيبهم الناس بإعطائهم التمر أو حلويات متنوعة أو مبالغ مالية صغيرة.

لكن هذا التقليد بدأ يخبو في الكثير من مناطق البلاد، عدا في مناطق البصرة القديمة، حيث يطلق على هذا التقليد اسم "القرقيعان" ويشترك فيه الكبار أيضا.

وتقول المرتضى إن "أطفالها يشاركون بصعوبة" في هذا التقليد، فهم الآن أشد اهتماما بألعاب الفيديو.

"بات المحيبس"

وتمثل لعبة "بات المحيبس" أو إخفاء الخاتم، أحد التقاليد الرمضانية المميزة في العراق، حيث تعمد فرق من الشباب والكهول، ممثلين لمناطقهم، إلى إقامة بطولات رمضانية لهذه اللعبة.

وتقوم فكرة اللعبة على تنافس لاعبي الفريقين بإخفاء خاتم في يد أحدهم، ثم يجب على الفريق المنافس العثور عليه في لعبة تحتاج إلى الكثير من المهارة والحظ أيضا.

وبعد العثور على الخاتم، ينتقل اللعب إلى الفريق المنافس ليخفي الخاتم، ويتنافس الفريقان على جوائز من "البقلاوة" و "الزلابية" وهي حلويات عراقية خاصة يتم استهلاكها بكثرة في رمضان.

لعبة البحث عن الخاتم من الألعاب الرمضانية المميزة في البلاد

الطعام

وفي الأيام الأولى للشهر، تتفنن العوائل بإعداد أصناف خاصة من الطعام، تكون أندر حضورا في أيام العام الأخرى.

ويصنع العراقيون أطباق "الرز بالباقلاء" أو "الرز البرياني" لتناولها إلى جانب أصناف أخرى مثل حساء العدس، فيما يتفننون بصناعة حلوى "المحلبي" وهي حلوى تصنع من الحليب والسكر والنشا، وحلوى "الداطلي" وهي عوامات مقلية في الزيت وماء السكر، وحلوى "الكنافة" و "زنود الست".

يزداد الإقبال على الحلويات في شهر رمضان

كما إن العصائر الرمضانية مميزة هي الأخرى، فيندر أن تجد منزلا يخلو من عصير الزبيب وعصير تمر الهند وعصير "نومي بصرة" وهي نوع من الليمون المجفف.

ويعمد الكثير من العراقيين عادة إلى توزيع الطعام أو الحلويات خلال الشهر للجيران والأقارب.

عراقي يوزع "المحلبي" على الجيران

مصاعب رمضانية

ويقول الصحفي العراقي، أحمد حسين، إن "رمضان يجلب معه بعض المصاعب أيضا"، مضيفا في حديث لموقع "الحرة" أن "ارتفاع الأسعار وقلة تجهيز الكهرباء يجعلان من الشهر أكثر تحديا".

مع هذا "يمثل الشهر فرصة لتعميق الروابط الأسرية، وزيادة التواصل الاجتماعي" بين الناس، بحسب حسين.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.