تواجه العديد من المواقع الأثرية التي يعود تاريخها إلى آلاف السنين في محافظة كركوك خطر الزوال إثر الظروف المناخية والتجاوزات على البعض منها، وكذا بسبب الإهمال والتهميش الذي تعانيه.
ويخشى مواطنو كركوك فقدان جزء كبير من تاريخ مدينتهم مع انهيار هذه المواقع الأثرية، فيما تؤكد المديرية العامة للآثار في المحافظة على أنها تعمل بشكل دؤوب من أجل الحفاظ على هذه المواقع رغم ما تعانيه من نقص مادي.
وتقول شيماء بكر، وهي مُدرِّسة من كركوك، لموقع "ارفع صوتك": "تمتلك كركوك عدداً كبيرا من المواقع الأثرية المكتشفة إلا أننا لا نستطيع أن نزور هذه المناطق بسبب الدمار الذي تعانيه. وهذا أمر حزين جدا لأننا نرى هذه الآثار، التي هي شاهدة على ما وصل إليه آباؤنا وأجدادنا من تطور، تتجه نحو الزوال ولم نستطع نحن أحفادهم وفي عصر التطور أن نحافظ على هذا الإرث"، داعية الحكومة في بغداد إلى التحرك السريع من أجل إنقاذ آثار كركوك.
وبحسب المدير الفني السابق في مديرية آثار كركوك شيدا محمد أمين، يبلغ عدد المواقع الأثرية المسجلة في المحافظة نحو 800 موقع أثري موزع على مناطق المحافظة المختلفة.
ويضيف أمين لموقع "ارفع صوتك": " 90%من هذه المواقع الأثرية تعرضت للدمار بسبب الظروف المناخية والتجاوزات، ومنها التجاوزات الزراعية على التلال الأثرية، وهناك مواقع أثرية مُحيت بالكامل. المديرية لا تستطيع أن تصل إلى عدد من هذه المواقع الأثرية بسبب الأوضاع الأمنية ومواقعها التي تقع في المناطق النائية، إلى جانب المواقع الأثرية التي دمرها داعش مثل مرقد شيخ حما ومرقد الإمام إسماعيل في ناحية العباسي غرب كركوك"، مشيرا إلى أن عدد البيوت التراثية التي كانت ما تزال متبقية في قلعة كركوك عند سقوط النظام السابق عام 2003 كانت 50 بيتا. لكن هذه البيوت بمرور السنوات الماضية هي الأخرى تعرضت للدمار.
ويشير الكاتب المختص بالمجال الأثري معتصم ساليي لموقع "ارفع صوتك" إلى أن "مبنى القشلة في كركوك يعاني من الدمار، وكذلك قلعة كركوك التاريخية"، مشددا على ضرورة "أن تلقى المواقع الأثرية الاهتمام اللازم من الجهات المعنية ومن أهالي كركوك لأنها جزء من تاريخ المدينة وتراثها".
"حاليا، لا تشهد المواقع الأثرية في كركوك أي زيارة من السياح الأجانب بسبب ما تشهده من دمار. كان من المفترض أن تكون هذه المواقع مشابهة لنظيراتها في العالم من حيث الاهتمام"، يقول ساليي.
ويوضح الباحث الأثري أن أحد المواقع الأثرية الموجودة في كركوك، ويدعى منطقة "عرفة"، كان قبل آلاف السنين يسمى "آربخا" وهي عاصمة الحضارة "الگوتية". ويؤكد: "لا توجد حاليا أي إشارة إلى الآثار في هذه المنطقة، في حين أنها كانت واحدة من أهم المدن في تاريخ بلاد ما بين النهرين".
ويعتبر الكاتب الكركوكي الآثار في كركوك مهمشة بسبب غياب اهتمام الحكومة في بغداد بها وانقطاع النشاطات التنقيبية المحلية أو الأجنبية في المدينة منذ أكثر من عامين.
وانتهت آخر البعثات الخاصة بالتنقيب عن الآثار من أعمالها في كركوك نهاية عام 2020. ولا تشهد المدينة حاليا أي عمليات تنقيب، لكن المدير عام للأثار في كركوك رائد العبيدي كشف لموقع "ارفع صوتك" أن "عمليات التنقيب ستبدأ في كركوك خلال الفترة المقبلة"، دون ذكر تفاصيل أخرى.
وبحسب مديرية الآثار، تعود المواقع الأثرية المنتشرة في محافظة كركوك إلى العديد من الحقب الزمنية، كالآشورية والآكدية والفرثية والساسانية والإسلامية. وقد أثبتت عمليات التنقيب تواجد هذه الحضارات على أرض كركوك.
ويضيف العبيدي: "مقارنة مع عدد المواقع الأثرية، تعتبر نسبة التنقيبات قليلة جدا، لأن عمليات الكشف الآثري والتنقيب تحتاج مبالغ مالية كبيرة جداً، وعدم وجود مثل هذه التخصيصات تسبب في عدم تمكنا من الكشف والتنقيب عن المواقع الأثرية".
ويشير العبيدي إلى أن كوادر مديريته يعتمدون في عمليات التنقيب على المواد البسيطة مثل المعول والفرشاة والأدوات اليدوية، إذ لا يمتلكون حتى الآن أي أدوات حديثة خاصة بالتنقيب والكشف عن الآثار.
ولا يخفي العبيدي مخاوفه من عوامل التعرية والسيول والتجاوزات التي قد تحصل وتزيل بعض المواقع، مؤكدا أن مديرية اثار كركوك تجري جولات تفتيشية وتفقدية مستمرة من أجل الحفاظ على الآثار في المدينة وحمايتها، كاشفا عن حاجة مديريته إلى درجات وظيفية خاصة بحراسة المواقع الأثرية وكوادر مختصة بالآثار إلى جانب دعم مالي من أجل تنفيذ المديرية لكافة أهدافها في مجال التنقيب وحماية الآثار في المحافظة.