أطفال سوريون نازحون يذهبون إلى المدرسة في احد مخيمات النازحين
يشارك في المشروع 110 باحثين من أقسام الحماية الاجتماعية في محافظات بغداد والأنبار والنجف وصلاح الدين.

أثار مشروع أطلقته وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) بهدف حماية الأطفال وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي لهم جدلاً واسعاً بين نشطاء ومهتمين بشأن الطفولة في البلاد. 

ويركز المشروع، الذي يشارك فيه 110 باحثين من أقسام الحماية الاجتماعية في محافظات بغداد والأنبار والنجف وصلاح الدين، على القيام بزيارة الأسر الفقيرة في المناطق النائية ومقابلة الأطفال وأولياء أمورهم، للتوعية بمخاطر العنف الأسري، بحسب مديرة دائرة الحماية الاجتماعية في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ذكرى عبد الرحيم.

لكن الناشطة الحقوقية تيسير فداء ترى أن الجهود التي تبذلها وزارة العمل والشؤون الاجتماعية وغيرها من المؤسسات الحكومية مثيرة للإحباط.

وتقول فداء لـ"ارفع صوتك" إن "مدى العنف الأسري وصل لمراحل كارثية لا ينفع معها التثقيف والتوعية فقط".

وكانت المفوضية العليا لحقوق الإنسان، في عام 2021، سجلت 5 آلاف حالة تعنيف أسري في بغداد وبقية المحافظات، تصدّرت فيها المرأة قوائم الضحايا، تلاها كبار السن ثم الأطفال.

ومن جهته، كشف مجلس القضاء الأعلى في العراق تسجيل 1543 قضية عنف أسري في أشهر يونيو، ويوليو، وأغسطس فقط من عام 2021 في المحاكم التابعة لرئاسة استئناف بغداد.

أما بخصوص إحصائيات العنف الأسري في العراق لعام 2020، فقد سجّلت البلاد أكثر من 15 ألف حالة عنف بعموم المحافظات.

وتصف الناشطة العراقية تيسير فداء مشروع حماية الطفل وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي له بالـ"الترقيعي". تقول: "بالطبع، نسمع عن أهمية المشروع الشكلية لما يتضمنه من برامج تثقيفية وإرشادية، كما يتم تسليم كراسات تثقيفية للأطفال الذين ينحدرون من عائلات فقيرة في محاولات لرفع ثقافة حماية الطفل. ولكن هل يمكن أن تكون هذه وسيلة للحد من العنف الأسري في المناطق الفقيرة؟".

 

بطالة وفقر

 

تعتقد الباحثة الاجتماعية أسماء هشام أن ما نحتاج إليه اليوم للتقليل من معدلات العنف الأسري لحماية الأطفال هو توفير مناخات تسهم في تغيير أوضاع الناس، خاصة الذين يعانون من البطالة والفقر.

ووفقاً للمتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي، فإن نسبة الفقر في العراق تبلغ الآن ما بين 23 و25 في المئة.

وتوضح أسماء هشام أن "غالبية العوائل التي يعاني أفرادها من العنف الأسري هم أنفسهم يعانون من البطالة والفقر والحاجة".

وتؤكد أن هناك أدلة كثيرة تشير إلى أن الأوضاع الناتجة عن الفقر سبب رئيسي في ارتكاب الجرائم وعمالة الأطفال وتزويج القاصرات والعنف الأسري. 

وتتساءل لماذا يصعب على الجهات المعنية أن يتصوروا أن البطالة والفقر هما وراء ما يحدث من عنف أسري؟ ثم، لماذا يتم اللجوء لمشاريع تثقيفية في أماكن ومدن لا يفكر سكانها إلا بلقمة العيش؟

 

قانون مناهضة العنف الأسري

 

أما المحامية بثينة علي، فتقول لـ"ارفع صوتك" إن "العنف الأسري وحماية الأطفال لا يكون إلاّ بتشريع قانون مناهضة العنف الأسري. أما غير ذلك فماهي إلاّ طريقة لاستنزاف الأموال فحسب".

وكانت الحكومة العراقية أقرت قانون مناهضة العنف الأسري في أكتوبر 2020، وأرسلته إلى البرلمان العراقي، لكنه تم رفض تشريع القانون لأسباب كثيرة منها ما يقع ضمن مخالفة الدين الإسلامي، بحسب بعض الأحزاب السياسية.

وتضيف علي أن "التثقيف والتوعية بمخاطر العنف الأسري من الأمور المهمة، لكن أليس من الأهمية أولا إيجاد الحلول المناسبة لتلك الأسباب التي تدفع إلى العنف".

وتشير الباحثة الاجتماعية إلى أن ما مرت به البلاد من أزمات أمنية وسياسية واقتصادية تسببت في تزايد معدلات العنف ككل وليس في الأسرة فقط. لذا، فإننا لن نتمكن من إيقافه عبر المحاضرات والورش والمشاريع التوعوية فقط، بلا نحن بحاجة إلى تشريع قوانين تناسب الوضع وتأخذ بنظر الاعتبار ما حدث في السابق وما يحدث الآن ولاحقاً.

 

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.