مزارعو القمح في سوريا
يرسم تقرير مؤشر الجوع حول العالم، للعام 2021، صورة قاتمة عن العراق، إذ جاء في المرتبة 85 عالمياً.

يرسم تقرير مؤشر الجوع حول العالم، للعام 2021، صورة قاتمة عن العراق، إذ جاء في المرتبة 85 عالمياً.

ويصنف مؤشر الجوع الصادر بشكل سنوي عن المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية (GHI)، دول العالم إلى فئات "الأقل جوعاً" و"المعتدلة" و"المقلقة" و"الخطيرة"، عبر منهجية تتألف من 100 نقطة كحد أقصى.

ويقوم المؤشر بتحديد مستوى الجوع في كل دولة استناداً إلى تقييم عدة معدلات، من أهمها: نقص إمدادات التغذية للسكان عموماً، وسوء التغذية لدى الأطفال، ووفيات الأطفال نتيجة نقص أو سوء التغذية.

ويضع المؤشر العراق ضمن فئة "الجوع المقلق" بـ22.8 نقطة، بعد أن جاء عربياً بالمرتبة العاشرة، وبالمرتبة 85 عالمياً.

 

الفقر في البلاد

 

يعتقد الباحث الاقتصادي نوفل سعد أن المؤشر يبرز العراق على أنه نموذج للتراجع في مستوى الأمن الغذائي في المنطقة، إذ صنفه المؤشر على أنه من فئة "الجوع المقلق"، بعد أن كان عام 2020 يقع في المرتبة 65، برصيد 17,1 بالمئة، ويعاني من "مستوى معتدل" من الجوع.

يقول الباحث لـ "ارفع صوتك" إن "مسألة تراجع الأمن الغذائي مقلقة، وتعني أن البلاد تقف الآن في مرحلة الانزلاق نحو متاهة عدم قدرتها لاحقاً على تزويد سكانها البالغ عددهم حوالي 41 مليون نسمة بالمخزون الغذائي".

ووصلت نسبة الفقر في العراق هذا العام 25 بالمئة، بحسب المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي. وارتفعت عند الأطفال إلى 38 في المئة.

ويضيف سعد أن "ارتفاع معدلات الفقر في البلاد يعني تزايد نسب الجوع. الأمر الذي قد يدفع للمزيد من المشكلات الاجتماعية والسياسية وربما حتى الأمنية، خاصة عندما تبدأ عصابات الجريمة المنظمة بالانتعاش".

ويرى الباحث الاقتصادي أن مصادر البلاد من حيث الأمن الغذائي أقل بكثير بسبب النقص الحاصل في الموارد المحلية وما إلى ذلك. ويتابع: "نحن لا نبالغ في تقدير الأوضاع.. وبالفعل أن البلاد تتجه نحو كارثة مجاعة"، وفق تعبيره.

 

الإنتاج المحلي

 

أما الناشط الحقوقي محسن طه، فيرى أن هناك علامة استفهام تتعلق بتدهور المحصول الزراعي، إذ يعد هذا الجانب عنصراً أساسياً في الأمن الغذائي. وقد انخفضت إنتاجه كثيراً، بسبب الاستيراد. 

وفقا لتقديرات وزارة التخطيط، فإن مستويات الإنتاج وصلت إلى مراحل متدنية جدا تكاد لا تغطي أكثر من 10 في المئة من حاجة الطلب المحلي في البلاد.

يقول محسن طه لـ"ارفع صوتك": "نقص الإنتاج المحلي من الزراعة يعود بالأساس إلى إهمال الحكومات المتتالية خلال الأعوام الماضية لملف الزراعة وضعف الإدارة وإصدار قرارات غير مدروسة بشكل جدي".

ويحذر الناشط من الضغوط المحتملة نتيجة ارتفاع الأسعار للمواد الغذائية الرئيسية مما يؤدي إلى تزايد معدلات الفقر.

ويشير إلى أن البلاد مثقلة بالكثير من القضايا التي تسهم في انعدام الأمن الغذائي "كالفساد

المالي والإداري، والتلاعب بمذخرات الشعب، وتحديد مصيره وفق سياسات لا تنظر للأمن الغذائي كمشكلة خطيرة". 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.