صورة جوية تبين المشهد العام للمتنزه الأثري في محافظة دهوك بكردستان العراق
صورة جوية تبين المشهد العام للمتنزه الأثري في محافظة دهوك بكردستان العراق

تستعد دائرة الآثار والتراث في محافظة دهوك بكردستان شمال العراق، بالتعاون مع جامعة "أوديني" الإيطالية، لإنشاء متنزه أثري في المحافظة، يحتضن مجموعة من مشاريع الري الأثرية.

وتنضوي جميعها في مشروع ري سنحاريب، الذي أنشأه الملك الآشوري سنحاريب، لإيصال الماء إلى عاصمة الإمبراطورية الآشورية آنذاك، نينوى.

ويبلغ طول قنوات الريّ في مشروع الملك سنحاريب بكافة أجزائه نحو 320كيلومتراً، وتتضمن عبارات وقناطر وقنوات مائية ومنحوتات ونقوش بارزة نحتت بعد انتهائه، تروي تفاصيل المشروع وإنجازه وأهميته.

ويتكون المتنزه من أقسام عدة، يحتضن كل منها جزءاً من مشروع ري سنحاريب، وهي: آثار الخنس وجروانة ومالطايا وبندوايا وفايدة.

وكان الملك سنحاريب نقل الماء عبر قناة يبلغ طولها 80 كيلومترا من الخنس إلى نينوى، وأنشأ على طول هذه القناة مجموعة من القناطر والفتحات الخاصة بتصريف المياه.

 

متنزهات مسيّجة

بدوره، يؤكد مدير دائرة الآثار والتراث في محافظة دهوك، بيكَس بريفكاني لـ"ارفع صوتك": "نعمل بالتعاون مع جامعة أوديني وبدعم مالي من وزارة الخارجية الإيطالية على إنشاء المتنزه، ومساحته ثلاثة آلاف كيلومتر مربع".

ويوضح: "يتكون المشروع من عدة مراحل، تشمل إعادة ترميم المنحوتات والنقوش التي تحتاج الى الترميم في موقع الخنس".

"على سبيل المثال إحدى المنحوتات عبارة عن تمثال ثور مجنح منحوت على حجر كبير، ووقع هذا التمثال في مياه نهر الخنس بسبب العوامل المناخية ويبلغ وزنه نحو 275 طنا، يجب أن يرفع من النهر ويوضع في مكانه الأصلي في الموقع الاثري"، يتابع بريفكاني.

وحسب المصادر التاريخية والتنقيبات الأثرية للمنطقة، فإن مشروع سنحاريب عالج مشاكل الأراضي الزراعية التي هجرها الفلاحون آنذاك بسبب الجفاف، وأعاد لها الحياة.

يضيف بريفكاني: "ستكون جميع المواقع الأثرية وسط متنزهات مسيّجة تتوفر فيها كافة الخدمات الخاصة بالمتنزهات الأثرية، من إنارة وطرق وأماكن ترفيهية وأشجار وكل ما يتوافق مع قانون الآثار".

ويشير  إلى أن موقع جروانة يشكل هو الآخر جزءاً مهماً من مشروع ري سنحاريب الأثري، حيث يحتضن هذا الموقع قنطرةً أثرية يبلغ طولها 320 متراً وعرضها 20 متراً، أما ارتفاعها فيبلغ 9 أمتار، وتتضمن 13 قوساً خاصا بمرور المياه عبرها.

وحسب بريفكاني، تم استخدام نحو مليوني حجر في بناء هذه القنطرة، وزن كل حجر (250- 500) كيلوغرام، ونقش على جميعها كتابات مسمارية تروي تفاصيل مشروع ري سنحاريب ومدة إنجازه.

يضاف إلى هذه المواقع ضمن المتنزه موقع أثري آخر يعرف بموقع هلامتا، في جبل زاوا.

ومن المقرر أن يشمل مشروع المتنزه مد طريق من قمة الجبل وصولاً إلى كهف هلامتا الذي يحتوي على نقوش هلامتا، وهي أربعة نقوش آشورية بارزة، يتضمن المشروع ترميمها ومدّ طريق وتوفير الإنارة لها ليلاً كي تكون جاهزة لاستقبال السياح ليلا ونهارا.

وبحسب مدير الاثار والتراث في دهوك تحتضن منطقة فايدة الواقعة ضمن المتنزه 12نقشا اشوريا بارزا نحت على ضفاف قناة ماء يبلغ طولها 9كيلومترات، هذه النقوش تصور الملك سنحاريب في المقدمة وخلفه نجله ويصطف بينهما 7آلهة من ضمنهم الاله اشور وزوجته وإلهة عشتار وعدد اخر من الالهة.

أما الهدف من إنجاز المتنزه بشكل عام، فهو الحفاظ على المواقع الأثرية وترميمها والحفاظ على مشروع ري سنحاريب، الذي يعتبر إرثاً حضارياً هاماً،  وأكبر مشروع ري هندسي في زمانه، كما يقول بريفكاني.

وفي الوقت ذاته سيكون المشروع مصدر دخل مالي كبير لإقليم كردستان بعد إنجازه؛ لجذبه السياح.

وكانت دائرة الآثار والتراث في محافظة دهوك بالتعاون مع جامعة "أوديني"،  نفذت مسحاً أثريا لتسجيل المواقع الأثرية في محافظة دهوك خلال الأعوام (2012-2019)، تمخض عنه تسجيل نحو 1100 موقع أثري.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.