نازحون أيزيديون
نازحون أيزيديون

خضر كالو هو شرطي من قرية صغيرة في قضاء سنجار. لكن حين اندلعت الاشتباكات بين مقاتلين إيزيديين والجيش العراقي، أرغم، مرةً أخرى، على مغادرة قريته، مع آلاف آخرين هرباً من أعمال العنف. 

مثل غالبية العشرة آلاف نازح الذين استقبلهم إقليم كردستان العراق في الأيام الأخيرة، فقد واجه كالو مشقّة الحياة في مخيمات النزوح، فهذه ليست المرة الأولى التي يحزم فيها بعض أغراضه ويغادر بيته. في العام 2014، كان لقاؤهم الأول مع النزوح حين سيطر تنظيم الدولة الإسلامية على سنجار. 

يروي الرجل البالغ من العمر 37 عاماً، الذي فرّ مع زوجته وأولاده الخمسة إلى مخيم شامشكو، قرب مدينة زاخو في دهوك، "في المرة السابقة نزحنا وبقينا ست سنوات في مخيم دركار خوفاً من تنظيم الدولة الإسلامية، وهذه المرة نزحنا خوفاً من صوت المدافع".

ويضيف "عدت منذ ما يقرب من عامين" إلى سنجار، المعقل التاريخي للأقلية الإيزيدية. وبحسرة يردف "كنا نتدبّر أمور معيشتنا رغم المصاعب، لكن الأوضاع في الآونة الأخيرة تدهورت بشكل كبير". 

شهدت سنجار على مدى يومي الأحد والاثنين، اشتباكات عنيفة بين الجيش العراقي ووحدات حماية سنجار المرتبطة بحزب العمال الكردستاني الذي يشنّ منذ عقود تمرداً ضدّ تركيا. لكن المناوشات المتفرقة بين الطرفين تتكرر منذ مدة طويلة. 

إيزيديون يعانون مشقّة النزوح مجدداً إثر أعمال عنف في سنجار بشمال العراق
إيزيديون يعانون مشقّة النزوح مجدداً إثر أعمال عنف في سنجار بشمال العراق

ويقول كالو "يومياً نسمع أصوات الرصاص والانفجارات". غادر الرجل قريته في البداية وتوجه منها إلى مدينة سنجار، لكن اختار الرحيل إثر ذلك إلى إقليم كردستان المجاور في شمال العراق. ويضيف "لم يتعرض لنا أحد، لكن قلقنا على عائلاتنا". 

اكتظاظ 

وتعرضت الأقلية الإيزيدية، وهي جماعة ناطقة بالكردية يعتنق أبناؤها ديانة توحيدية باطنية، لسنوات للاضطهاد بسبب معتقداتها الدينية، لا سيما على يد تنظيم الدولة الإسلامية الذي قتل أبناءها وهجّرهم وسبا نساءها.  

وقالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في بيان الأربعاء، إن من بين النازحين الذين استقبلهم إقليم كردستان، كثيرين عادوا إلى منطقتهم في عام 2020، بعدما فروا منها إثر سيطرة تنظيم داعش. 

في أزقّة مخيم شامشكو، الذي يستقبل أكثر من 22 ألف نازح، اصطفت الخيم المصنوعة من القماش المشمّع السميك. في داخلها، وضعت الفرش المخصصة للنوم على الأرض العارية، وجلست نساء اعتلت وجوههن ملامح القلق. 

وقرب مكاتب إدارة المخيم، اصطف عشرات الرجال والنساء في طابورين أمام شاحنة محمّلة بصناديق المساعدات البيضاء. 

حينما ينادى باسمهم، يتوجه النازحون لاستلام صندوق من المساعدات الغذائية: كيلوغرام من السكّر، شاي، أرزّ بسمتي، ليتر من الزيت، طحين وحليب وعدس، وهي محتويات تكفيهم لأسبوع. 

نحو 10 آلاف نازح إيزيدي بسبب الاشتباكات في سنجار
نحو 10 آلاف نازح إيزيدي بسبب الاشتباكات في سنجار

واستقبل إقليم كردستان خلال ثلاثة أيام 1711 عائلة أي ما يساوي 10261 شخصاً، كما أعلن لفرانس برس مدير دائرة الهجرة والمهجرين ومكتب استجابة الأزمات في دهوك، ديان حمو. وتوزعت نحو 964 عائلة على المخيمات، أي 4300 شخص، أما الباقون فيقطنون عند أقربائهم. 

وقال المتحدّث باسم مفوضية اللاجئين فراس الخطيب لفرانس برس إن "المخيمات تشهد اكتظاظاً ما يرفع خطر تراجع إمكانية الوصول إلى الخدمات الأساسية بسبب نقص التمويل". 

وأكّد أن المفوضية تدعم "الحلول المستدامة" التي تتيح للأشخاص العودة إلى منازلهم، لكن "العودة ينبغي أن تكون طوعية وتحترم الكرامة الإنسانية، وتأتي في جوّ سلمي". 

 وتقول السلطات العراقية إن الهدوء عاد إلى منطقة سنجار الجبلية. لكن التصاعد الأخير للعنف يعكس مدى تعقيد التوترات التي تعصف بسنجار، حيث تتداخل العديد من العوامل والأطراف ذات المصالح المتضاربة. 

"لن يعود أحد"

وتتهم وحدات حماية سنجار، المنضوية كذلك ضمن الحشد الشعبي، الجيش بأنه يريد السيطرة على المنطقة وطردها منها، في حين يريد الجيش العراقي تنفيذ اتفاقية بين بغداد وأربيل، تقضي بانسحاب المقاتلين الإيزيديين وحزب العمال الكردستاني من سنجار. 

في الأثناء، أعلنت قيادة العمليات المشتركة العراقية الخميس، عن وصول "تعزيزات عسكرية" كبيرة الى سنجار "لفرض القانون". وأضافت في بيان أنها لن تسمح "بتواجد المجاميع المسلحة" في القضاء. 

وتقع منطقة سنجار أيضاً في مرمى نيران الغارات الجوية التركية المتفرقة التي تشنّها أنقرة ضدّ قواعد حزب العمال الكردستاني، الذي تصنّفه "إرهابياً".

في ظلّ هذه التعقيدات وأعمال العنف، يجد الإيزيديون أنفسهم ضحايا جانبيين.

وفرّ العامل اليومي زعيم حسن حمد البالغ من العمر 65 عاماً، المرة الأولى من سنجار تحت وطأة "هجمات تنظيم الدول الإسلامية"، كما يروي. 

وها هو اليوم أيضاً، مع عائلته المؤلفة من 17 ابناً وحفيداً، في مخيّم شامشكو. 

ويقول الرجل "إذا لم يوفروا لنا الأمن والاستقرار، فلن نعود هذه المرة، لأننا لا نستطيع أن نعود ثمّ ننزح في كلّ مرة". 

ويضيف "إذا بقي الحشد وحزب العمال الكردستاني والجيش في المنطقة، فإن الناس سيخافون ولن يعود أحد". 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.