تدخل الحكومة المؤقتة لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي عامها الثالث من دون مؤشرات أو معطيات سياسية تدلّ على قرب تسليم المسؤولية لحكومة منتخبة برلمانياً، جراء الصراع المحتدم إزاء النزاع المنعقد من إعلان نتائج الانتخابات التشريعية.
وكانت كابينة الكاظمي قد نالت الثقة داخل مجلس النواب في مايو/أيار 2020، كأول حكومة غير منتخبة منذ نشوء العملية الديمقراطية في العراق ما بعد 2003.
ودفعت الاحتجاجات الغاضبة التي عمت أرجاء البلاد في خريف 2019، حكومة عبد المهدي لتقديم استقالتها في عامها الثاني بعد اتهامها بالضعف والتورط بقتل وإصابة آلاف المتظاهرين بنيران ما عرف حينها بـ"الطرف الثالث".
وأسهم مجيء الكاظمي إلى السلطة في تبريد الشارع العراقي الذي كان على وقع صفيح ساخن يدفع بكل ما لديه لتحقيق تغيير في واقع الحال المعاش عبر إزاحة القوى السياسية التي حكمت البلاد لأكثر من عقد ونصف.
وحمل وصول الكاظمي إلى السلطة آمال الجماهير المنتفضة على الفساد وسطوة المليشيات وضياع الدولة على أمل أن تكون بداية التغيير وأولى ثمار الدماء التي أريقت على منصات الاحتجاج.
وتعهد الكاظمي بعد أيام على تسلّمه المنصب الحكومي بتحقيق موعد للانتخابات التشريعية وملاحقة الفاسدين واستعادة هيبة الدولة المفقودة والنأي بالبلاد عن الصراعات الدولية والإقليمية، فضلاً عن تتبع المتورطين بدماء متظاهري أكتوبر وتقديمهم إلى القضاء.
وفرضت الأحداث الجارية حينها إلى أن ينحني الجميع أمام عاصفة الإرادة الشعبية الغاضبة، مما لم يسمح بالقوى المناوئة – ذات الأجنحة المسلحة - من اعتراض وصول مدير جهاز المخابرات السابق مصطفى الكاظمي إلى السلطة رغم محاذيرها ووضع الخطوط تحت ذلك الاسم.
ومثل خطاب الكاظمي واستراتيجية العمل التي رفعها منذ بواكير تسلمه للسلطة تهديداً مبطناً للكثير من الأطراف التي دشنت وجودها ونفوذها السياسي على حساب الدولة والصالح العام، مما أسهم في اتقاد شرارة الخصومة والعداء.
مع مرور الوقت كانت توجهات الكاظمي تنكشف شيئاً فشيئاً من خلال جملة من التحركات التي بدأتها القوات الأمنية باعتقال عناصر من مليشيا مسلحة ضمن ما عرف بعملية الدورة ومن ثم تبعها صولة على المنافذ الحدودية للسيطرة على نزيف عائدات الكمرك من قبل بعض الفصائل المتنفذة.
في ذلك الحين، شككت قوى وجهات في قدرة الكاظمي على محاربة الآفات المستفحلة من فساد وتفشي السلاح المنفلت والوصول إلى مناطق حساسة وخطرة لشخصيات وأطراف "حمراء"، يشكل الاقتراب منها تهديدا بالموت والزوال.
تلك المؤشرات دفعت بالفصائل المسلحة لتكثيف هجماتها على مقار البعثات الدبلوماسية عموماً ومصالح الولايات المتحدة في العراق على وجه التحديد، مما أحرج الكاظمي في أكثر من مرة أمام المجتمع الدولي.
ورافقت تلك التطورات أزمة مالية خانقة عاشها البلد على وقع قيود كورونا وهبوط أسعار النفط العالمية، مما حدى بحكومة الكاظمي اللجوء إلى الاقتراض ولأكثر من مرة لتأمين النفقات التشغيلية.

يقول المحلل السياسي ماهر عبد جودة، إن "الكاظمي يقود سفينة من المشاغبين بينهم من ضربت جذوره في عمق الدولة العراقية وتثبث بقرارها بما يكفي من أدوات المال غير الشرعي والنفوذ المهين لسلطة المؤسسات".
ويضيف جودة، خلال حديث لـ"ارفع صوتك"، أن "صعوبة مهمة الكاظمي مع التعقيد الحاصل في البلاد من ظروف وبيئة متراكبة سياسياً وخرائطياً، تكمن بعدم وجود كتلة نيابية كبيرة ساندة مما جعل ظهره منكشفاً أمام خصومه وأعدائه، ما عطل مشروع التصحيح الذي حمله إلى السلطة".
ومع ذلك ورغم عدم الوصول إلى مستوى الطموح إلا ان الكاظمي وخلال عامين من الحكم "نستطيع القول قد نجح بشكل أكثر من قبول في إدارة شؤون البلاد"، حسب رأي جودة.
من جانبه، يقول الصحفي حمزة مصطفى لـ"ارفع صوتك"، إنّ "البعض حمل الكاظمي مسؤولية الإخفاق والفشل واضمحلال معالم الدولة التي ورثها من الحكومات السابقة حتى أنهم طلبوا بأن يكون رجل معجزات في بلاد تتخطفها الصراعات وتحركها الفوضى".
ويطرح حمزه تقييمه لأداء الحكومة الانتقالية وهي تدخل عامها الثالث، قائلاً:" هنالك جملة من الإنجازات التي تحققت على مستوى السياسة والأمن والاقتصاد بما يكفي لتأسيس مسار مؤسساتي صحيح وإن لم تجنِ ثمارها حالياً، ولكن سيكون لها فوائد وإيجابيات خلال المستقبل القريب".
على مستوى التوجه الخارجي، يلفت مصطفى إلى أن "العراق استطاع تغيير بوصلة مساره والانتقال إلى الفضاء الدولي المتعدد والمنفتح على أساس المصالح المشتركة، وهو ما أكسب الكاظمي مقبولية كبيرة على المستوى الإقليمي العربي والبعد الأوروبي الغربي".
ويستدرك بالقول: "قد يكون المنجز لا يرتقي إلى طبيعة الآمال المعقودة من وصول مصطفى الكاظمي، ولكن التحديات والبيئة المضطربة المدججة ومشاريع التقاطع والقطيعة الدولية والإقليمية تحول دون تحقيق بلوغ الهدف بالمستوى المطلوب".
الاقتصادي نبيل العلي، له رأي مغاير إذ يقول ان "حكومة الكاظمي لم تختلف كثيراً عن النسخ التي سبقتها في مجال ضياع الثروات وفوضى التخطيط واستنزاف المال العام رغم المشاريع الإصلاحية التي جاءت بها".
ويضيف العلي خلال حديث لـ"ارفع صوتك"، أن "المعالجات الاقتصادية التي دفع بها الكاظمي لم تأتً أكلها بما فيها ما عرفت بالورقة البيضاء التي حجبت الكثير من بنودها عن التطبيق، فضلاً عن خطط تعضيد موارد الدولة، فما زال هنالك مفقودات كبيرة على مستويات المنافذ الحدودية والعقود الاستثمارية التي منحت الحكومة بعض الشخصيات والشركات استثناءات خاصة".