العراق

ما تأثير تحديد تسعيرة الكشف الطبي على المواطنين العراقيين؟

14 مايو 2022

أثار قرار نقابة الأطباء العراقيين حيال تحديد أسعار أجور المراجعين للأطباء من 10 آلاف إلى 40 ألف دينار، حسب مستوى الطبيب وعمره ومكانه، جدلاً واسعاً بين المواطنين. 

وتم تحديد الأجور بالنسبة للأطباء في المحافظات، بشكل عام تقريباً 20 ألف دينار فما دون، أما الأطباء في بغداد، ممن لديهم لقب استشاري بخبرة 15 سنة فوق الشهادة، فتبلغ أجور فحصهم للمراجعين 40 ألف دينار، بحسب نقيب الأطباء العراقيين جاسم العزاوي.  

 

استنزاف الأموال

وينتقد مروان جاسم (31 عاماً)، قيمة الكشف الطبي التي حددتها نقابة الأطباء، ويعتبر أن المشكلة ليس فقط في ارتفاع أو انخفاض قيمة الكشف، بل في كفاءة الأطباء. 

يقول لـ"ارفع صوتك"، إن "الكثير من الأطباء غير مؤهلين ولا يجيدون تشخيص الأمراض بسرعة، وخاصة  الأطباء المتدربين أو المبتدئين الذين يتواجدون في العيادات الخاصة مع أطباء كبار".

ويضيف جاسم: "نعاني من استنزاف هؤلاء الأطباء لأموالنا عبر سلسلة من المراجعات لهم، تُفرض على المريض ربما أسبوعية وفي كل مرة يضطر إلى دفع قيمة الكشف مجدداً". 

مروان الذي يعمل في بناء الدور لا تتجاوز أجوره اليومية 25 ألف دينار عراقي، فأجوره مرهونة بذهابه إلى العمل من عدمه. 

ويشير إلى أن اليوم الذي لا يعمل فيه لن يحصل على أجر، بالتالي فإن إصابة أحد أفراد أسرته بمرض ما يستعدي مراجعة الطبيب يعني أن يستدين مبلغاً من المال قد يتجاوز 150 ألف دينار عراقي لتغطية تكاليف قيمة الكشف والتحاليل المختبرية والأدوية. 

 

سلسلة من المراجعات

من جهتها، تقول نهاد عباس (61 عاماً)، إن "قيمة الكشف الطبي الذي حددته نقابة الأطباء لا تزال مرتفعة بالنسبة لامرأة راتبها لا يتجاوز 350 ألف دينار عراقي من دائرة الضمان الاجتماعي". 

نهاد التي كانت وما زالت تخضع لسلسلة من العلاجات والمراجعات الدورية، بسبب إصابتها قبل ثلاث سنوات بسرطان الثدي تقترح على نقابة الأطباء في تحديد قيمة الكشف الطبي، حسب الأمراض. 

وتقول لـ"ارفع صوتك": "الأطباء الكبار من الذين لديهم خبرة طويلة في الأمراض مثل السرطان، لا يمكن أن تتجاوز قيمة الكشف الطبي لديهم إلى أقل من 40 ألف دينار عراقي، وهو مبلغ لا يقوى عليه الكثير من الناس وخاصة مرضى السرطان". 

 

دوامة أمراض جديدة

المعاناة نفسها تواجه عواطف سعدون (39 عاماً)، وهي معلمة لمراحل الدراسة الابتدائية. 

وتقول لـ "ارفع صوتك"، إن "راتبها الشهري لا يكفي لكي تراجع طبيباً دائما حتى بعد أن حددت النقابة قيمة الكشف الطبي". 

عواطف التي لديها ثلاثة أطفال وزوجها يعمل بأجر يومي لا يتجاوز 20 الآف دينار عراقي، ترى أن "المشكلة ليست أيضا فيما يدفعه المراجع للطبيب من أجور الكشف، إنما في تلك الأساليب التي يتبعها الأطباء لاستنزاف الأموال من المرضى المراجعين". 

وتضيف: "معاناتي كبيرة في حال إصابة أحد أفراد أسرتي بمرض ما، لأن مراجعة الطبيب لا تعني مرة واحدة لمعالجة مرض واحد وينتهي الأمر في البلاد". 

وتتابع عواطف: "ستجد نفسك مضطراً لمراجعته لأكثر من مرة، وكأنك وقعت في دوامة من أمراض جديدة يُخبرك عنها وتستدعي معالجتها لفترات قد تستغرق أسابيع طويلة". 

 

المنظومة الصحية

وقبل قرار نقابة الأطباء هذا، كان الكثير من العراقيين يعانون من ارتفاع قيمة الكشف الطبي حيث تراوحت قيمة المراجعة الواحدة لطبيب ما، من 50 إلى 70 ألف دينار عراقي.

تقول الناشطة الحقوقية لـ"ارفع صوتك" عذراء محسن، إن "تحديد قيمة الكشف الطبي بهذه المبالغ يمكن أن يضع ضغطاً كبيراً على الأطباء تجاه تقديم الرعاية وخاصة للحالات الطارئة، لأن الاقتصاص أو التقليل من أجور التشخيص تثير استياءهم".  

وترى أن "الجدل حول ارتفاع قيمة الكشف الطبي في البلاد ليس بالجديد، لكن المشكلة في مدى مهارة الأطباء من عدمه وكذلك في الأسلوب المتبع من قبل الكثير منهم في استنزاف أموال المرضي عبر سلسلة طويلة من المراجعات لحين الحصول على الشفاء". 

وتتابع محسن: "تدهور المنظومة الصحية في البلاد دفع بالكثير من المرضى مراجعة عيادات الأطباء الخاصة، بدلاً من مراجعة المستشفيات الحكومية المجانية".

"كما أن اهتمام الحكومة بإصلاح المنظومة الصحية المجانية كفيل للخلاص من مشكلات ارتفاع قيمة الكشف الطبي، لأن معدلات الفقر والبطالة في البلاد في تزايد"، وفق محسن.

وتعاني البلاد من هجرة آلاف الأطباء بسبب الأجور المتدنية والتهديدات الأمنية والاغتيالات بحسب وزارة الصحة العراقية. 

مواضيع ذات صلة:

فقد تنظيم داعش مصدر تمويله الرئيسي، النفط، بعد خسارته لأراضيه في سوريا والعراق.
فقد تنظيم داعش مصدر تمويله الرئيسي، النفط، بعد خسارته لأراضيه في سوريا والعراق.

يبدو تنظيم داعش، عندما يتعلق الأمر بالتمويل والبحث عن مصادر دخل تنعش موارده المتدهورة، أشبه بكيان متمرس في عالم المافيا والجريمة المنظمة. الكثيرون، بمن فيهم أمراء كبار، انشقوا عنه حينما صدمتهم هذه الحقيقة. 

قيادة التنظيم نفسها تدرك جيدا أن تسليط الضوء على هذا الجانب من نشاطات التنظيم يقوض الصورة التي رسمها لنفسه أمام أتباعه وأنصاره. لذلك لم يتبنَّ يوما أي عملية قتل أو تخريب قام بها باسم جباية ما يسميها "الكلفة السلطانية" رغم أن جزءا من جهوده، لا سيما في شرق سوريا، مكرس لهذا النشاط الشنيع.

 

الكلفة السلطانية

 

منذ خسارة التنظيم للمساحات الشاسعة التي كان يسيطر عليها في سوريا والعراق، وما نجم عن ذلك من فقدانه لما تدره عليه المعابر وحقول النفط من موارد مالية كبيرة، فَعّل التنظيم عددا من "الخطط الاقتصادية" البديلة كان من بينها جباية ما يسميها "الكلفة السلطانية".

تعد " الكلفة السلطانية" نشاطا مدرا للدخل إلى جانب نشاطات أخرى ضمن "اقتصاد الحرب" تضخ في خزينة التنظيم أموالا طائلة، مثل التهريب، والاختطاف، وتجارة الآثار، والسطو على البنوك ومحلات الصرافة، واستحواذه على احتياطات العملة الصعبة والذهب في المدن التي اجتاحها، ونهب ممتلكات الطوائف الأخرى وغيرها.

تزامنت ثورة مواقع التواصل الاجتماعي مع الصعود السريع لتنظيم داعش عام 2013.
"داعش".. خلافة رقمية يطوقها مارد الذكاء الاصطناعي
الشركات التكنولوجية الكبيرة شرعت منذ 2017 في الاعتماد كليا على خوارزميات الذكاء الاصطناعي لرصد وحذف المواد التي تروج للتطرف العنيف على منصاتها، بينما اقتصر دورها في السابق على تكميل جهود فرق بشرية يقع على عاتقها عبء هذه العملية برمتها.

لعدة سنوات ظل التنظيم يجمع " الكلفة السلطانية" لاسيما في مناطق الشرق السوري، حيث تنتشر حقول النفط، والمساحات الزراعية، وممرات التهريب، والمتاجر ومحلات الصرافة. لكنه لم يكن يتحدث عن ذلك لا في إعلامه الرسمي ولا الرديف، بل وتحاشى الاشارة إليها حتى في مراسلاته الداخلية، لأنه يدرك أن جدلا محموما سينتج عن ذلك، وسيحتاج إلى فتاوى دينية وجهود دعائية كبيرة لإقناع أتباعه بـ"وجاهة" أفعاله، وقد خرج أعضاء سابقون في التنظيم ونشروا على قنواتهم الرقمية "أن إرغام المسلمين غصبا وبحد السيف على إعطاء جزء من حلالِهم لثلة من المفسدين في الأرض هو عمل عدواني لا يقوم به إلا أهل البغي وقطاع الطرق".

 

ضريبة على رعايا الخليفة!

 

ينبغي التفريق هنا بين ما ينهبه التنظيم ممن يعتبرهم "كفارا ومرتدين" والذي يسميه ب"الفيء" و"الغنيمة" وبين ما يجبيه باسم "الكلفة السلطانية". فالكلفة السلطانية هي ضريبة يؤديها "المسلمون ورعايا الخليفة" بالقوة والإكراه، أي أن المستهدفين بها هم في عرف التنظيم من المسلمين الذين "لا تحل أموالهم ودماؤهم" ولا تدخل "الكلفة السلطانية" أيضا ضمن الزكاة الواجبة التي تتم جبايتها قسرا من المسلمين من طرف أمنيي التنظيم.

وبعد انكشاف أمر عمليات السطو والنهب هذه لم يجد التنظيم بدا من الحديث عنها في مراسلاته الداخلية، وانتداب أحد شرعييه لصياغة فتوى لتسويغها من الناحية الدينية.

صاغ أبو المعتصم القرشي، وهو أحد كوادر "المكتب الشرعي" لـ"ولاية الشام" فتوى مطولة في 12 صفحة، وحشد فيها مجموعة من النصوص الدينية والقواعد الأصولية التي اعتبرها "أدلة شرعية" على جواز نهب أموال المسلمين بالقوة والإكراه!.

عَرّف القرشي الكلفة السلطانية بأنها " الأموال التي يطلبها الإمام من الناس لأجل مصلحة شرعية". ولعجزه عن إيجاد نصوص قطعية من الكتاب والسنة لتبرير هذه "البدعة الداعشية"، فقد لجأ إلى القواعد الأصولية من قبيل" يُتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام" و" درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"، و" تفويت أدنى المصلحتين لتحصيل أعلاهما"، و"ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب".

يعني هذا ببساطة أن مصلحة استمرار عمليات التنظيم والحفاظ على قوته ومقدراته مقدمة على مصالح الناس الأخرى، وأن تواصل عمليات التنظيم باعتبارها "جهادا مقدسا"  إذا لم يتم إلا بالسطو على أموال الناس فيجب السطو عليها.

أكد القرشي في نص فتواه جواز استخدام العنف والقوة لجباية الأموال، قائلا: "لا شك أن المال عصب الجهاد، والإعداد لا يكون إلا به، فتحصيله وتوفيره واجب على الإمام ولو بالقوة والإكراه"، ومن امتنع عن أداء "الكلف السلطانية جاز للإمام أو من ينوب عنه أن يعزره بشكل يكون رادعا له ولغيره حتى يؤدي ما عليه من الحقوق المالية في هذا الشأن".

أما الفئات الاجتماعية المستهدفة بهذه الضريبة، فقد قدم أبو المعتصم سردا طويلا بأصحاب المهن والمحلات التجارية والأطباء والصرافين والفلاحين والمدارس والكليات وتجار الدجاج والبيض وتجار المواشي والمستشفيات. ولم يترك أي نشاط مدر للدخل إلا وأشار إليه ضمن الذين فرض عليهم دفع "الكلف السلطانية"، ولم يستثن سوى أصحاب البسْطات على الأرصفة.

أخطر ما في الفتوى هو أن الممتنع عن أداء ما يطلبه التنظيم من أموال سيكون مصيره القتل والحكم عليه بالردة، و" طريقة استخدام القوة تتفاوت حسب المعاندة والممانعة بين التهديد، والإتلاف لبعض المال، أو التعزير، أو التغريم المالي وحتى الجسدي، ثم القتل إذا استعان الممتنع بشوكة الكفار والمرتدين على المجاهدين فعندها يُطبق عليه حكم الردة" حسب تعبير أبي المعتصم القرشي.

 

معاناة الناس في شرق سوريا

 

في شرق سوريا، يتم استخلاص هذه الضريبة بعد توجيه رسائل تهديد بأرقام دولية عبر تطبيق واتساب إلى المعنيين، وتخييرهم بين دفع "السلطانية" أو مواجهة خلايا الاغتيال، بعد تخريب ممتلكاتهم وتقويض مشاريعهم التجارية والاستثمارية.

وحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد ارتفعت هذا العام نسبة تلك الضرائب إلى حد كبير جداً مقارنة بالسنوات الفائتة، حتى بلغت نحو 616 ألف دولار من تجار النفط والمستثمرين.

وحصل المرصد على إفادة من أحد العاملين في شركة مستثمرة في قطاع النفط في المنطقة الشرقية (دير الزور) تقول بأن الشركة رفضت دفع كامل المبلغ المطلوب منها تحت مسمى "الكلفة السلطانية"، والتي قدرها التنظيم بنصف مليون دولار أميركي، ودفعت بدلها 300 ألف دولار، لكن التنظيم هدد سائقي صهاريج المحروقات التي تعمل لصالح الشركة بالاستهداف إذا لم يتم دفع المبلغ كاملا في غضون أسابيع، ولم يعد لدى الشركة خيار آخر سوى تدبير ما تبقى من المبلغ.

مستثمر آخر في قطاع النفط توصل برسالة عبر تطبيق الواتساب من رقم دولي مفادها بأن عليه دفع "الكلفة السلطانية" البالغ قدرها 75 ألف دولار، وعدم إخبار أي جهة تابعة لقسد أو التحالف الدولي بذلك ووجهت له تهديدات في حال التبليغ أو عدم دفع المبلغ خلال أسبوع، وأن خلايا التنظيم ستقوم بزرع عبوة في سيارته أو حرق بئر النفط الذي يعود له.

ولفت المرصد إلى أن خلايا داعش في بادية ريف دير الزور الشرقي تفرض ضرائب تتراوح بين 1000 و3500 دولار، في مناطق ذيبان وحوايج ذيبان وجديد بكارة، على المستثمرين الذين يعملون على توريد المحروقات إلى "سادكوبى" التابعة للإدارة الذاتية في دير الزور.

يعمد التنظيم أيضا إلى حرق المحاصيل الزراعية التي تعود للفلاحين الذين رفضوا الرضوخ لابتزازه ودفع الأموال التي يطلبها منهم، ورمي القنابل اليدوية على منازل الأثرياء، وعيادات الأطباء، وقد هرب عدد من الأطباء من المنطقة الشرقية بعدما أثقل التنظيم كاهلهم بالضرائب و"المكوس"، ولا سيما وقد وضعهم في رأس قائمة أهدافه لأنهم -حسب اعتقاده- يجنون الأموال أكثر من غيرهم.