مظاهرات تشرين

تكاليف علاج باهظة ومشاكل صحية مستمرة وتهميش حكومي لغالبيتهم وصعوبة الاندماج في المجتمع والخوف من المليشيات المسلحة، هذه أبرز معاناة جرحى مظاهرات تشرين في العراق.

وتشير إحصائيات اللجنة المنظمة للمظاهرات إلى أن عدد المتظاهرين والناشطين العراقيين الذي قتلوا خلال مظاهرات تشرين  خلال عام من انطلاقتها بلغ 803 قتيلا، فيما بلغ عدد الجرحى 31 ألفاً، 900 منهم أصيبوا بإعاقات دائمة وتشوهات ومشاكل صحية مزمنة.

باقر محمد سمير، شاب عراقي من محافظة ذي قار جنوب البلاد، لم يتجاوز عمره 23 عاما، أصيب برصاصة قناص في رأسه فقد على إثرها النطق وأصبح مقعدا.

محتجون في ذكرى إحياء احتجاجات تشرين
تظاهرة في بغداد إحياءً للذكرى الثانية لاحتجاجات تشرين الشعبية
يسود شعور بالإحباط واليأس في أوساط الناشطين بإزاء إمكانية أن تحمل الانتخابات النيابية المبكرة تغييراً، فيما ما زال العراق غارقاً بأزمات عديدة كانقطاع الكهرباء والنقص في الخدمات وتدهور الوضع الاقتصادي والبطالة المرتفعة بين الشباب، نتيجة سنوات من الحروب والفساد المزمن.

يقول محمد سمير والد باقر لموقع "ارفع صوتك": "أصيب ابني برصاصة قناص في رأسه عند مشاركته في تظاهرات تشرين 2019 في شارع الحبوبي وسط مدينة الناصرية، وعلى أثرها دخل في غيبوبة استمرت لمدة 7 أشهر و21 يوما، واتضح عند استيقاظه أن الفص الأيمن لدماغه تعرض للتلف الكامل وأصبح مقعدا إثر اصابته بالشلل، ورغم إجرائه عدة عمليات جراحية داخل العراق وخارجه ولكن دون جدوى".

شملت رحلة باقر العلاجية حتى الآن دولة الامارات العربية المتحدة، التي سافر إليها على نفقة الحكومة العراقية، لإجراء عملية جراحية لكن لم تجر العملية لأنها تزامنت مع إجراءات الإغلاق والوقاية من انتشار فيروس كورونا، ومن ثم توجه إلى الهند ليجري عددا آخر من العمليات الجراحية لكن هذه المرة على نفقة عائلته الخاصة، ويؤكد والده أنهم صرفوا حتى الآن آلاف الدولارات للعلاج لكن ما زالت أوضاع ابنهم حرجة، مطالبا الحكومة العراقية بالتعويض المادي والمعنوي وتقديم المساعدة الطبية الدائمة لابنه.

واندلعت في أكتوبر من عام 2019 احتجاجات شعبية واسعة في بغداد ومدن وسط وجنوب العراق، واستمرت لمدة عام كامل طالب خلالها المحتجون، الذين شكل الشباب غالبيتهم، بإنهاء العملية السياسية في البلاد وتشكيل حكومة وطنية مؤقتة وتنظيم انتخابات مبكرة بإشراف دولي وإنهاء النفوذ الإيراني في العراق.

حسن عودة جريح آخر من جرحى مظاهرات تشرين يسكن ناحية أم قصر في محافظة البصرة تعرض إلى إطلاق نار أثناء مشاركته في التظاهرات في نوفمبر من عام 2019 وأصيب على إثرها إصابة بالغة في بطنه وظهره.

يوضح عودة لموقع "ارفع صوتك"، "شاركت في تظاهرات تشرين السلمية في ناحية أم قصر طالبنا خلالها بحقوقنا وبتوفير فرص العمل، لكن قوة من الجيش العراقي استخدمت الرصاص الحي لتفريقنا، فأصبت برصاصتين في بطني اسفرتا عن كسر الفقرة الأخيرة من العمود الفقري وإصابة قناة مجرى الإدرار، لذلك أعاني من مشاكل عديدة في الإدرار، كما أنّني لا أستطيع السير لمسافة طويلة".

 أجرى عودة حتى الآن 3 عمليات جراحية، اثنتان منها في تركيا وواحدة في العراق، مضيفا "ما زلت أواصل العلاج لكن وضعي الصحي سيء جدا، ولست الوحيد الذي أصيب خلال هذه التظاهرات فالعديد من أصدقائي أصيبوا أيضا، وما زالت أوضاعهم سيئة جدا ويعانون من التهميش الحكومي ولم نستلم أي حقوق او تعويضات من الجهات المعنية".

وقرّر مجلس الوزراء في 19 أبريل الماضي تولي وزارة المالية تمويل 1.5 مليار دينار لوزارة الصحة بهدف معالجة جرحى التظاهرات في خارج العراق. وكان المجلس قد قرر في أغسطس من عام 2020 إرسال الحالات الحرجة من جرحى مظاهرات تشرين إلى الخارج لتلقي العلاج على نفقة الدولة وتشكيل لجان طبية من مختلف التخصصات لمتابعة أوضاعهم الصحية وتوفير العلاج اللازم لهم، لكن ناشطي تشرين يؤكدون أن عملية علاج الجرحى خارج العراق والاهتمام بهم تجري ببطء.

وهذا ما أكده رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته، مصطفى الكاظمي، عند لقائه عدد من الجرحى قبل سفرهم إلى خارج العراق في 7 أبريل الماضي.

وقال الكاظمي: "أقولها بكل ألم ووجع، كنت أتمنى أن تسير الامور أكثر مما هي عليه الآن، لكن الظروف الدولية فيما يخص وباء كورونا جعلت بعض الإجراءات بطيئة والأكثر من هذا بطئا هي إجراءاتنا التشريعية والقانونية، لكن مع كل هذا تجاوزناها من أجل تحقيق امنيتكم، هذا شيء بسيط لا يمكن مقارنته مع التضحيات التي قدمتموها".

ويشير غيث كريم، وهو جريح آخر من الجرحى، إلى أنه يواصل العلاج على نفقته الخاصة دون أن يتلقى أي دعم من الحكومة، داعيا الحكومة إلى توفير فرصة عمل له تتناسب مع وضعه الصحي الحالي بعد الإصابة التي يشدد على أنها "غيرت حياته بالكامل".

ويتابع كريم لموقع "ارفع صوتك"، "تعرضت فقرتان من عمودي الفقري للكسر وبعض الرضوض في أنحاء من جسمي نتيجة تعرضي للضرب المباشر بالهراوات من قبل مجاميع مكافحه الشغب خلال مشاركتي في مظاهرة بمنطقة ساحة الخلاني في بغداد عام 2020. على إثر هذه الإصابة، أعاني حتى الآن من صعوبة الحركة والتنقل حيث لا أستطيع أن أتنقل دون استخدام العكازات".

 أجرى كريم حتى الآن 3 عمليات جراحية، اثنتان منها داخل العراق، الأولى على نفقته الشخصية والثانية في إحدى المستشفيات الحكومية العراقية والثالثة في الخارج على نفقة "تجمع دعم متظاهرين تشرين في داخل وخارج العراق"، وهي منظمة مجتمع مدني عراقية محلية.

واضطر كريم إلى ترك دراسته بسبب نفقات العلاج لأنه يعتمد في تلقي العلاج وتوفير الأدوية على نفقته الخاصة وما يوفره له الخيرون.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.