مشروع "داري" الحكومي.. هل يحل أزمة السكن المتفاقمة في العراق؟
يعقد آلاف الفقراء وذوي الدخل المتوسط في العراق، آمالاً كبيرة على مشروع "داري" السكني، الذي أطلقته الحكومة قبل نحو عام، إذ يسعى لإسكان 550 ألف عائلة وشمولها بقطعة أرض.
وجاء مشروع "داري" بقرار مجلس الوزراء (رقم 338 لسنة 2021)، المتضمن استحداث مدن جديدة وتقديم قطع الأراضي بها، في مناطق منتشرة في بكافة محافظات العراق.
وهدفه "الحد من الزحف العشوائي للمدن وحلحلة أزمة السكن المتفاقمة".

وتضرب أزمة السكن بقوة عند العاصمة بغداد التي يقطنها أكثر من سبعة ملايين نسمة، ما دفع بالكثير من العوائل إلى اللجوء للعشوائيات والفضاءات الفارغة داخل المدن وأطرافها لملئها بالبناء واتخاذها مواطن سكن.
ومنذ سنوات ، تسجل أسعار العقارات في العراق وخصوصاً بغداد، ارتفاعا كبيراً في قيم الشراء، يتجاوز أحياناً أسعار الشقق والمنازل في مدن الرفاه الأوروبية.
وأدى التوسع العشوائي إلى تغيير خرائط المدن وتشويه التخطيط العمراني والحضري، في ظل فقر كبير على مستوى البنى التحتية للخدمات.

3.5 مليون وحدة سكنية
وحسب وزارة التخطيط ، تقدر حاجة البلاد لنحو 3.5 ملايين وحدة سكنية، فيما تشير تقديرات خبراء ومختصين إلى أكثر من ستة ملايين وحدة سكنية.
ويستهدف المشروع الحكومي "شرائح الرعاية الاجتماعية وذوي الشهداء والمواطنين كافة ممن لم يتم شمولهم بمنحة توزيع الأراضي سابقاً، مع اعتماد نقاط تفاضلية تدخل ضمن نطاق التنافس"، وفق بيانات رسمية.
وعبر نافذة إلكترونية للتقديم كانت افتتحت لنحو شهر في يوليو 2021، يتنافس أكثر من 3.5 مليون شخص على 550 ألف قطعة أرض سكنية تم تخصيصها خارج التصميم الأساسي للمدن في كافة المحافظات باستثناء إقليم كردستان.
وحول معايير قبول الطلبات للحصول عى قطعة أرض، يوضح المتحدث باسم الأمانة العامة لمجلس الوزراء حيدر مجيد، لـ"ارفع صوتك"، أن "استمارة التقديم ضمت العديد من الفقرات التي تضمنت نقاطاً للمفاضلة، اعتمدت في منح وشمول الفئات الهشة اقتصادياً مع شمولهم بقروض ميسرة بغرض البناء".
ويؤكد: "سيكون هنالك تعاقد مع المستثمرين والمطورين لإنشاء البنى التحتية مقابل قطع أراض تمنح لهم من قبل الدولة".
وقبل أسبوع، حدد وزير الثقافة والمتحدث باسم الحكومة، حسن ناظم، موعد توزيع أكثر من نصف مليون سند، ضمن مشروع "داري".

وأوضح المتحدث باسم الأمانة العامة حيدر مجيد أن المشروع سيستهدف
من جهته، يقول الخبير في مجال العقارات سعد الزيدان، لـ"ارفع صوتك": "رغم التسليم بأهمية المبادرة وقدرتها على امتصاص الأزمة السكنية، إلا أنني أخشى دخول المحسوبية والبيروقراطية في عملية التوزيع واستحصال القروض".
ويشدد على "ضرورة إبعاد سماسرة وتجار العقارات عن استغلال هذه المبادرة"، مردفاً "يجب أن تضمن التعليمات إفادة صاحب الأرض منها حصراً وألا يعرضها للبيع خلال خمس أو عشر سنوات، حتى يحصل عليها من يستحقها ومن ليس له سكن".
ويأتي "داري"، ضمن ثاني مبادرة تطلقها الدولة العراقية ما بعد 2003، بعد مشروع "بسماية" جنوب العاصمة بغداد الذي يضم 100 ألف وحدة سكنية ، مع الفارق في كلف الشراء وطبيعة القروض المخصصة للمواطنين التي تتضمن فوائد كبيرة.
وتشهد عدة محافظات مشاريع سكنية غير مدعومة حكوميا تتباين في أسعار الشراء، لكنها مرتفعة بشكل عام، حيث تصل لأكثر من 300% من كلفة الإنشاء.
في نفس السياق، يرى الخبير الاقتصادي نبيل العلي، أن "الحكومة العراقية فقدت مواقع مهمة للكثير من الأراضي التي منحتها لبعض المصارف وشركات الاستثمار، وبقيم بخسة جداً لا تتناسب مع قيمتها الحقيقية".
ويقول لـ"ارفع صوتك"، إن "المختلف في مشروع بسماية عن بقية المجمعات السكنية أنه جاء بدعم حكومي بواقع 50% للدولة والنصف الآخر من خلال حجوزات المواطنين لشرائها، وهو ما جعل أثمان البيع فيها مقارب لكلف إنشائها".
يُذكر أن بغداد ولأكثر من مرة، احتلت مراتب متقدمة من بين المدن الأسوأ للعيش حول العالم، وفق تصنيف مؤسسة "ميرسر" للاستشارات العالمية، ومن الأسباب "الافتقار الخدماتي والتشوه العمراني".