العراق

مشروع "داري" الحكومي.. هل يحل أزمة السكن المتفاقمة في العراق؟

ارفع صوتك
17 مايو 2022

يعقد آلاف الفقراء وذوي  الدخل المتوسط في العراق، آمالاً كبيرة على مشروع "داري" السكني، الذي أطلقته الحكومة قبل نحو عام، إذ يسعى لإسكان 550 ألف عائلة وشمولها بقطعة أرض.

وجاء مشروع "داري" بقرار مجلس الوزراء (رقم 338 لسنة 2021)، المتضمن استحداث مدن جديدة وتقديم قطع الأراضي بها، في مناطق منتشرة في بكافة محافظات العراق.

وهدفه "الحد من الزحف العشوائي للمدن وحلحلة أزمة السكن المتفاقمة".

وتضرب أزمة السكن بقوة عند العاصمة بغداد التي يقطنها أكثر من سبعة ملايين نسمة، ما دفع بالكثير من العوائل إلى اللجوء للعشوائيات والفضاءات الفارغة داخل المدن وأطرافها لملئها بالبناء واتخاذها مواطن سكن.

ومنذ سنوات ، تسجل أسعار العقارات في العراق وخصوصاً بغداد، ارتفاعا كبيراً في قيم الشراء، يتجاوز أحياناً أسعار الشقق والمنازل في مدن الرفاه الأوروبية.

وأدى التوسع العشوائي إلى تغيير خرائط المدن وتشويه التخطيط العمراني والحضري، في ظل فقر كبير على مستوى البنى التحتية للخدمات.

 

3.5 مليون وحدة سكنية

وحسب وزارة التخطيط ، تقدر حاجة البلاد لنحو 3.5 ملايين وحدة سكنية، فيما تشير تقديرات خبراء ومختصين إلى أكثر من ستة ملايين وحدة سكنية.

ويستهدف المشروع الحكومي "شرائح الرعاية الاجتماعية وذوي الشهداء والمواطنين كافة ممن لم يتم شمولهم بمنحة توزيع الأراضي سابقاً، مع اعتماد نقاط تفاضلية تدخل ضمن نطاق التنافس"، وفق بيانات رسمية.

وعبر نافذة إلكترونية للتقديم كانت افتتحت لنحو شهر في يوليو 2021، يتنافس أكثر من 3.5 مليون شخص على 550 ألف قطعة أرض سكنية تم تخصيصها خارج التصميم الأساسي للمدن في كافة المحافظات باستثناء إقليم كردستان.

وحول معايير قبول الطلبات للحصول عى قطعة أرض، يوضح المتحدث باسم الأمانة العامة لمجلس الوزراء حيدر مجيد، لـ"ارفع صوتك"، أن "استمارة التقديم ضمت العديد من الفقرات التي تضمنت نقاطاً للمفاضلة، اعتمدت في منح وشمول الفئات الهشة اقتصادياً مع شمولهم بقروض ميسرة  بغرض البناء".

ويؤكد: "سيكون هنالك تعاقد مع المستثمرين والمطورين لإنشاء البنى التحتية مقابل قطع أراض تمنح لهم من قبل الدولة".

وقبل أسبوع، حدد وزير الثقافة والمتحدث باسم الحكومة، حسن ناظم، موعد توزيع أكثر من نصف مليون سند، ضمن مشروع "داري".

من جهته، يقول الخبير في مجال العقارات سعد الزيدان، لـ"ارفع صوتك": "رغم التسليم بأهمية المبادرة وقدرتها على امتصاص الأزمة السكنية، إلا أنني أخشى  دخول المحسوبية والبيروقراطية في عملية التوزيع واستحصال القروض".

ويشدد على "ضرورة إبعاد سماسرة وتجار العقارات عن استغلال هذه المبادرة"، مردفاً "يجب أن تضمن التعليمات إفادة صاحب الأرض منها حصراً وألا يعرضها للبيع خلال خمس أو عشر سنوات، حتى يحصل عليها من يستحقها ومن ليس له سكن".

ويأتي "داري"، ضمن ثاني مبادرة تطلقها الدولة العراقية ما بعد 2003، بعد مشروع "بسماية" جنوب العاصمة بغداد الذي يضم 100 ألف وحدة سكنية ، مع الفارق في كلف الشراء وطبيعة القروض المخصصة للمواطنين التي تتضمن فوائد كبيرة.

وتشهد عدة محافظات مشاريع سكنية غير مدعومة حكوميا تتباين في أسعار الشراء، لكنها مرتفعة بشكل عام، حيث تصل لأكثر من 300% من كلفة الإنشاء.

في نفس السياق، يرى الخبير الاقتصادي نبيل العلي، أن "الحكومة العراقية فقدت مواقع مهمة للكثير من الأراضي التي منحتها لبعض المصارف وشركات الاستثمار، وبقيم بخسة جداً لا تتناسب مع قيمتها الحقيقية".

ويقول لـ"ارفع صوتك"، إن "المختلف في مشروع بسماية عن بقية المجمعات السكنية أنه جاء بدعم حكومي بواقع 50% للدولة والنصف الآخر من خلال حجوزات المواطنين لشرائها، وهو ما جعل أثمان البيع فيها مقارب لكلف إنشائها".

يُذكر أن بغداد ولأكثر من مرة، احتلت مراتب متقدمة من بين المدن الأسوأ للعيش حول العالم، وفق تصنيف مؤسسة "ميرسر" للاستشارات العالمية، ومن الأسباب "الافتقار الخدماتي والتشوه العمراني".

 

ارفع صوتك

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.