العراق

إشكالية التفسير الدستوري والنصاب.. الانسداد السياسي إلى متى؟

دلشاد حسين
18 مايو 2022

يستعد نشطاء في محافظة البصرة جنوب العراق، لتنظيم وقفة احتجاجية على تأخير تشكيل الحكومة، والضغط على المحكمة الاتحادية لإعادة النظر بتفسيرها للمادة (70) من الدستور، الخاصة بجلسة انتخاب رئيس الجمهورية.

ويخيم الانسداد السياسي على المشهد العراقي رغم مرور أكثر من سبعة أشهر على إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية، إثر عدم تمكن الأطراف السياسية من المضي بالاستحقاقات الدستورية المتمثلة بانتخاب رئيس الجمهورية وتكليف رئيس وزراء جديد بتشكيل الحكومة المقبلة.

زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وزعيم تيار الحكمة عمار الحكيم في مؤتمر صحفي سابق
الانسداد الديمقراطي في العراق
رغم مشاركة العراق في قمّة القادة من أجل الديمقراطية التي دعا إليها الرئيس الأميركي جو بايدن وعقدت الخميس الماضي، فإنَّ هذه القمة تأتي في وقتٍ يعاني فيه العراق مِن مؤشرات التوجه نحو الانسداد الديمقراطي بعد سجالات ما قبل الانتخابات بشأن المشاركة أو المقاطعة، وما بعد الانتخابات بشأن رفض نتائجها والطعن فيها.

 

وأصدرت المحكمة الاتحادية العليا في فبراير الماضي، توضيحاً بشأن المادة الدستورية الخاصة بانتخاب رئيس الجمهورية، ردا على طلب تقدم به رئيس الجمهورية المنتهية ولايته برهم الصالح، الذي طالب المحكمة بتفسير هذه المادة.

وأكدت المحكمة في تفسيرها أن مجلس النواب "ينتخب رئيساً للجمهورية من بين المرشحين لرئاسة الجمهورية بأغلبية ثلثي مجموع عدد أعضاء مجلس النواب الكلي، ويتحقق النصاب بحضور ثلثي مجموع عدد أعضاء مجلس النواب الكلي".

في المقابل، يرى الناشط القانوني عمار سرحان هذا التفسير "خاطئاً".

ويوضح لـ"ارفع صوتك": "فسرت المحكمة تحقيق نصاب انتخاب الرئيس عبر تنفيذ هذه المادة بتواجد ثلثي أعضاء مجلس النواب، لكنه خاطئ ومخالف لمبدأ الديمقراطية، لأنها وضعت شرط حضور ثلثي العدد الكلي لأعضاء مجلس النواب لانعقاد جلسة انتخاب الرئيس، أي حضور 220 نائبا".

"وهذا أمر مستحيل لأن أي كتلة سياسية أو كتلتين وحتى ثلاث كتل لا تستطيع أن تجمع هذا العدد، بالتالي فإن التفسير يكرّس المحاصصة"، حسب سرحان.

ويقول إن المحكمة "لم تعد إلى المادة (59) من الدستور، التي حددت نصاب انعقاد جميع الجلسات بالأغلبية المطلقة (النصف +1) لعدد أعضاد مجلس النواب، أما اتخاذ القرارات فحددتها بتوفير الأغلبية البسيطة ما لم ينص خلاف ذلك". 

أما التفسير "الصحيح" كما يؤكد سرحان، فهو "انعقاد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور الأغلبية المطلقة من النواب التي حددتها المادة (59) من الدستور، وينتخب الرئيس بأصوات ثلثي الحاضرين في الجلسة حسب المادة (70) أولا.

ويتابع: "إذا حل البرلمان وأجريت انتخابات أيضا فالأطراف السياسية ستصطدم مجددا بهذه المادة، وناشطو البصرة سينظمون وقفات للتنبيه بهذا التفسير وخطورته على العملية السياسية في البلاد وعلى الديمقراطية".

من جهته، يقول علي الدراجي، وهو عضو منظمة "بصرياثا للثقافة الفيدرالية": "يجب أن تشكل الأطراف الفائزة حكومة أغلبية تتحمل هي مسؤولية نجاحها وفشلها، وتتجه الأطراف الأخرى التي لم تفز إلى المعارضة من أجل عملية سياسية صحية".

ويضيف لـ"ارفع صوتك"،  أن "عدم تمكن تحالف (إنقاذ وطن) من تشكيل الحكومة حتى الآن يعود لغياب النواب عن الجلسات وعدم اكتمال النصاب".

ويدعو الدراجي تحالف "إنقاذ وطن" إلى "تعديل قانون استبدال أعضاء مجلس النواب بإضافة فقرة تنص على استبدال النائب حال تغيبه عن الجلسات، ما يشكل ضغطاً قوياً على النواب المتغيبين كي يحضروا الجلسات وينهوا حالة الانسداد السياسي".

"فالمواطن هو الخاسر الوحيد من استمرار الانسداد السياسي"، يؤكد الدراجي.

وكان نواب مستقلون، أعلنوا قبل أيام  عن مبادرة للخروج من الأزمة، مطالبين الكتل الأخرى بالتحالف مع المستقلين لتشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر.

كما دعوا لأن يتسم رئيس الوزراء المقبل بـ"الاستقلالية والنزاهة والكفاءة، وأن تجري عملية انتخاب رئيس الجمهورية وفق المبادئ والشروط التي ذكرها الدستور العراقي".

في نفس السياق، يؤكد الخبير في القانون الدستوري وائل البياتي، على أن "تفسير المحكمة الاتحادية جاء منسجما مع السياقات الدستورية".

ويقول إنه "من غير المنطقي أن يشترط لفوز رئيس الجمهورية وفقا لأحكام المادة (70) حصوله على ثلثي عدد أصوات أعضاء مجلس النواب وفي نفس الوقت يجاز حضور (نصف +1) من النواب في الجلسة، عندها ستكون عملية التصويت غير حقيقية".

وتعقيباً على احتجاج النشطاء البصريين، يوضح البياتي لـ"ارفع صوتك": "لا يمكن مطالبة المحكمة الاتحادية بإعادة النظر بتفسيرها للمادة إلا إذا استجد شيء وفقا لرؤية المحكمة لا وفقا للطلبات المقدمة إليها من قبل الناشطين أو الجهات الأخرى".

ويلفت إلى أن المحكمة الاتحادية وفقا لتوجهها الأخير "لا تستلم طلبات التفسير إلا من قبل الجهات الرسمية وهي السلطات الثلاثة في العراق أو الجهات المتمتعة بالشخصية في المحافظات والإقليم".

ويستبعد البياتي أن يكون تفسير المحكمة "سبباً للانسداد السياسي الحالي"، قائلاً إنه عائد "لإشكالية حزبية متمثلة بعدم حضور عدد من أعضاء مجلس النواب الجلسات الخاصة بانتخاب رئيس الجمهورية، وتحقيق نصاب انعقاد الجلسة والتصويت على المرشحين، والوصول إلى مرشح الأغلبية".

دلشاد حسين

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.