في الموصل.. الألغام سبب آخر لتهجير السكان مجدداً
عند التجول في شوارع المدن العراقية المدمرة نتيجة معارك تحريرها من سيطرة تنظيم داعش، سنلاحظ ركام بعض المباني وقد كتب على جدرانها كلمة "آمن" باللون الأبيض مرفقة بالرمز (صح)، في تأكيد للمارة بخلوّها من الألغام أو المتفجرات.
يقول أحمد نادر (42عاماً): "نحاول ألا نقترب من هياكل الأبنية والأراضي الزراعية، خشية المخلفات الحربية والألغام والعبوات الناسفة".
وكان أحمد عاد برفقة أسرته المكونة من تسعة أفراد إلى مدينة الموصل بعد أكثر من ستة أعوام على النزوح.
وعن الحياة اليوم في الموصل، يوضح أحمد لـ"ارفع صوتك": "العيش بهدوء لم يعد له وجوداً، فبين الحين والآخر نفقد أحدهم بسبب ما تركه الإرهاب من ألغام ومتفجرات مدفونة في الأراضي الواسعة والزراعية وتحت ركام المباني والمنازل".
"حتى أن الكثير ممن فقدوا أحد أفراد أسرهم ضحية الألغام، رحلوا للعيش في مدن أخرى"، يتابع أحمد.
وفي تقرير سابق نُشر عام 2019، قال بير لودهامار، مدير دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في العراق، إن "الناس في الموصل يريدون العودة إلى ديارهم، لكن المدينة القديمة في غرب الموصل، لا يمكن العودة إليها...".
وأضاف "هناك ما يقارب مليوني نازح عراقي ما زالوا خارج منازلهم ومدنهم وقراهم، ومهمتنا هي ضمان عودتهم. كما أننا نستكشف أكثر من 100 ألف منزل مدمر أو متضرر، يحتمل أن تكون بها مواد متفجرة".
وأكد لودهامار إزالة نحو 17 ألف عبوة متفجرة عام 2018 فقط، مشيراً إلى أن ألفين من هذه المتفجرات كانت من العبوات الناسفة بدائية الصنع، إضافة إلى ألفين من الأجهزة المختلفة التي تستخدم في عمليات صنع وتفجير هذه العبوات، فضلا عن 782 حزاما انتحاريا، معظمها كان على جثث مقاتلي داعش المدفونين تحت الأنقاض.
وأوضح أن "عملية مسح الألغام كانت مباشرة نسبيا لكنها أصبحت الآن أكثر تعقيدا، إذ تنطوي على استخدام طائرات دون طيار مزودة بكاميرات لتقييم المخاطر، والآلات الثقيلة المزروعة، والأمر قد يستغرق ما لا يقل عن ثماني سنوات أخرى قبل أن يتم التخلص من الخطر في الموصل إلى مستوى مقبول".
مكان آخر...
اضطرت هناء عبد (44 عاماً) إلى البحث عن مكان آخر للعيش فيه، غير منزلها الذي كان يقع في قرية تابعة لمحافظة نينوى.
وتقول هناء، وهي أم لخمسة أبناء، إن "زوجها الذي كان يعمل مزارعاً فقد أطرافه السفلى بلغم مزروع".
وفي يوم الحادث عام 2018، كان زوجها يتفقد أرضه الزراعية بعد عودتهم من أربيل إلى منزلهم بأيام قليلة.
"كنا سعداء آنذاك بعودتنا لمنزلنا بعد سنوات من النزوح، ولم أكن أتوقع أن ثمن العودة سيكون باهظاً. وسيدفعنا للرحيل مجددا"، توضح هناء لـ"ارفع صوتك".
وتبين: "حياتنا تبدلت للمرة الثانية نحو الأسوأ. الأولى كانت بدخول داعش وهروبنا من منزلنا والثانية عند عودتنا لهذا المنزل وإصابة زوجي بلغم تركه مقعداً على كرسي متحرك".
من جهتها، تقول الناشطة الحقوقية من مدينة الموصل نسرين أمين، إن المساعي التي تبذلها الجهات الحكومية في مجال رفع الألغام "خجولة ولا ترتقي لحجم المشكلة وخطورتها".
وترى أن "أعمال إزالة الألغام والمخلفات الحربية كانت تسير بشكل جيد مع بداية تحرير المدن، لكنها تراجعت لاحقاً، حتى أن بعضها توقف".
وتضيف أمين لـ"ارفع صوتك"، أن "الكثير من المدن والقرى التي كانت تحت سيطرة داعش لا تزال غير آمنة بالنسبة لساكنيها، بسبب المخلفات الحربية والألغام والذخائر غير المنفجرة".
"والمشكلة لا تنتهي عند تعرض الأفراد للموت بسبب ذلك، بل لاضطرار الكثيرين إلى إخلاء مناطقهم أو عدم العودة إليها حتى وإن كانت آمنة، خشية أن يأتي الدور إليهم ويكونوا من ضحايا تلك الألغام"، تتابع أمين.
في نفس السياق، يستغرب عبد الجبار صالح، وهو عسكري متقاعد ولديه خبرة في شأن المتفجرات والألغام، من آمال البعض في إمكانية أن تجد الجهات الحكومية الحلول الناجعة لمشكلة الألغام.
ويقول لـ "ارفع صوتك"، إن "البلاد تعاني من وجود الألغام منذ أعوام طويلة قبل سيطرة داعش ولم يتم التعامل مع مشكلتها أو تطهير الأراضي منها".
ويرى عبدالجبار أن "إمكانية التخلص من الألغام تمثل تحدياً كبيراً في بلد يعاني من التدهور السياسي والأمني والاقتصادي".