العراق

في الموصل.. الألغام سبب آخر لتهجير السكان مجدداً

18 مايو 2022

عند التجول في شوارع المدن العراقية المدمرة نتيجة معارك تحريرها من سيطرة تنظيم داعش، سنلاحظ ركام بعض المباني وقد كتب على جدرانها كلمة "آمن" باللون الأبيض مرفقة بالرمز (صح)، في تأكيد للمارة بخلوّها من  الألغام أو المتفجرات.  

يقول أحمد نادر (42عاماً): "نحاول ألا نقترب من هياكل الأبنية والأراضي الزراعية، خشية المخلفات الحربية والألغام والعبوات الناسفة". 

وكان أحمد عاد برفقة أسرته المكونة من تسعة أفراد إلى مدينة الموصل بعد أكثر من ستة أعوام على النزوح. 

وعن الحياة اليوم في الموصل، يوضح أحمد لـ"ارفع صوتك": "العيش بهدوء لم يعد له وجوداً، فبين الحين والآخر نفقد أحدهم بسبب ما تركه الإرهاب من ألغام ومتفجرات مدفونة في الأراضي الواسعة والزراعية وتحت ركام المباني والمنازل". 

"حتى أن الكثير ممن فقدوا أحد أفراد أسرهم ضحية الألغام، رحلوا للعيش في مدن أخرى"، يتابع أحمد. 

 

وفي تقرير سابق نُشر عام 2019، قال بير لودهامار، مدير دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في العراق، إن "الناس في الموصل يريدون العودة إلى ديارهم، لكن المدينة القديمة في غرب الموصل، لا يمكن العودة إليها...".

وأضاف "هناك ما يقارب مليوني نازح عراقي ما زالوا خارج منازلهم ومدنهم وقراهم، ومهمتنا هي ضمان عودتهم. كما أننا نستكشف أكثر من 100 ألف منزل مدمر أو متضرر، يحتمل أن تكون بها مواد متفجرة".

وأكد لودهامار إزالة نحو 17 ألف عبوة متفجرة عام 2018 فقط، مشيراً إلى أن ألفين من هذه المتفجرات كانت من العبوات الناسفة بدائية الصنع، إضافة إلى ألفين من الأجهزة المختلفة التي تستخدم في عمليات صنع وتفجير هذه العبوات، فضلا عن 782 حزاما انتحاريا، معظمها كان على جثث مقاتلي داعش المدفونين تحت الأنقاض.

وأوضح أن "عملية مسح الألغام كانت مباشرة نسبيا لكنها أصبحت الآن أكثر تعقيدا، إذ تنطوي على استخدام طائرات دون طيار مزودة بكاميرات لتقييم المخاطر، والآلات الثقيلة المزروعة، والأمر قد يستغرق ما لا يقل عن ثماني سنوات أخرى قبل أن يتم التخلص من الخطر في الموصل إلى مستوى مقبول".

 

مكان آخر...

اضطرت هناء عبد (44 عاماً) إلى البحث عن مكان آخر للعيش فيه، غير منزلها الذي كان يقع في قرية تابعة لمحافظة نينوى.  

وتقول هناء، وهي أم لخمسة أبناء، إن "زوجها الذي كان يعمل مزارعاً فقد أطرافه السفلى بلغم مزروع". 

وفي يوم الحادث عام 2018، كان زوجها يتفقد أرضه الزراعية بعد عودتهم من أربيل إلى منزلهم بأيام قليلة.  

"كنا سعداء آنذاك بعودتنا لمنزلنا بعد سنوات من النزوح، ولم أكن أتوقع أن ثمن العودة سيكون باهظاً. وسيدفعنا للرحيل مجددا"، توضح هناء لـ"ارفع صوتك". 

وتبين: "حياتنا تبدلت للمرة الثانية نحو الأسوأ. الأولى كانت بدخول داعش وهروبنا من منزلنا والثانية عند عودتنا لهذا المنزل وإصابة زوجي بلغم تركه مقعداً على كرسي متحرك".

من جهتها، تقول الناشطة الحقوقية من مدينة الموصل نسرين أمين، إن المساعي التي تبذلها الجهات الحكومية في مجال رفع الألغام "خجولة ولا ترتقي لحجم المشكلة وخطورتها".  

وترى أن "أعمال إزالة الألغام والمخلفات الحربية كانت تسير بشكل جيد مع بداية تحرير المدن، لكنها تراجعت لاحقاً، حتى أن بعضها توقف".

وتضيف أمين لـ"ارفع صوتك"، أن "الكثير من المدن والقرى التي كانت تحت سيطرة داعش لا تزال غير آمنة بالنسبة لساكنيها، بسبب المخلفات الحربية والألغام والذخائر غير المنفجرة".

"والمشكلة لا تنتهي عند تعرض الأفراد للموت بسبب ذلك، بل لاضطرار الكثيرين إلى إخلاء مناطقهم أو عدم العودة إليها حتى وإن كانت آمنة، خشية أن يأتي الدور إليهم ويكونوا من ضحايا تلك الألغام"، تتابع أمين.  

في نفس السياق، يستغرب عبد الجبار صالح، وهو عسكري متقاعد ولديه خبرة في شأن المتفجرات والألغام، من آمال البعض في إمكانية أن تجد الجهات الحكومية الحلول الناجعة لمشكلة الألغام. 

ويقول لـ "ارفع صوتك"، إن "البلاد تعاني من وجود الألغام منذ أعوام طويلة قبل سيطرة داعش ولم يتم التعامل مع مشكلتها أو تطهير الأراضي منها".   

ويرى عبدالجبار أن "إمكانية التخلص من الألغام تمثل تحدياً كبيراً في بلد يعاني من التدهور السياسي والأمني والاقتصادي".  

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.