الاحتجاجات الشعبية التي شهدها العراق 2019 مهدت الطريق لانتخابات 2021- أرشيفية
الاحتجاجات الشعبية التي شهدها العراق 2019 مهدت الطريق لانتخابات 2021- أرشيفية

نقلا عن موقع الحرة

دون حل يلوح في الأفق، لا تزال القوى السياسية العراقية ثابتة على مواقفها بين مؤيد لتشكيل حكومة أغلبية وآخرون يدعون لحكومة توافق، بعد أكثر من ستة أشهر على إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة.

ويواجه العراق عقدة سياسية حقيقية في ظل عدة محاولات فاشلة شهدها البرلمان العراقي خلال الأشهر الماضية لتشكيل حكومة جديدة، مما يعني أن البلاد باتت أمام خيارات محدودة للخروج من الأزمة، وفقا لمراقبين.

يعود أصل الخلاف لفوز التيار الصدري بزعامة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان الجديد الذي أفرزته الانتخابات المبكرة في أكتوبر الماضي.

أعلن الصدر منذ ذلك الحين أنه سيمضي بتشكيل حكومة أغلبية مع حلفائه من السنة والأكراد على غير العادة التي جرت في البلاد بعد عام 2003 والتي تضمنت تقاسم السلطة على مبدأ التوافق بمشاركة الجميع.

من أجل ضمان هذه التوجه شكل الصدر تحالفا ثلاثيا باسم "إنقاذ وطن" يضم نحو 155 نائبا، مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، وتكتل أحزاب سنية أبرزها حزب بقيادة رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي.

لكن هذه الخطوة واجهت معارضة شرسة من الإطار التنسيقي، وهو تحالف شيعي نافذ يضم كتلة "دولة القانون" بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي وكتلة الفتح التي تنضوي تحتها فصائل موالية لإيران، يرغب بحكومة توافقية بين جميع القوى الشيعية، كما جرت العادة. 

عمدت قوى الإطار، التي تضم نحو 130 نائبا، إلى أسلوب مقاطعة جلسات البرلمان المخصصة لانتخاب رئيس الجمهورية، والتي تحتاج لنصاب الثلثين من عدد أعضاء مجلس النواب، مما حرم عطل المسار السياسي في البلاد. 

 

الحل لا يزال بعيدا

يقول المحلل السياسي نجم القصاب إنه "إلى هذه اللحظة ما يزال التيار الصدري مصر على حكومة الأغلبية، مع ترحيبه بمشاركة أي جهة بها لكن وفقا لشروط تحالف السيادة وشروط الصدر باعتباره الفائز الأول في الانتخابات".

ويضيف القصاب لموقع "الحرة" أنه وبالمقابل " لا تزال قوى الإطار متمسكة بخيار حكومة التوافق، وهذا مرفوض من قبل الصدر، لأنه يريد أن يستثمر فوزه في الانتخابات حتى لا يخسر جمهوره أو أصواته التي حصل عليها في الانتخابات".

ويؤكد القصاب أن "الانغلاق السياسي لا يزال حاضرا، لكن هناك بعض التسريبات ترجح أن تشهد الأيام المقبلة نوعا من الانفراج على صعيد اختيار رئيس الجمهورية ربما يؤدي لحل الأزمة".

بخلافه، فإن البلاد ستكون أمام مجموعة من "الخيارات الصعبة" التي قد تلجأ لها القوى الفائزة في الانتخابات المتمثلة بالصدر وحلفائه، وفقا للقصاب.

يتمثل الخيار الأول، بحسب القصاب، بإقالة بعض الوزراء، والمجيء بوزراء من الكتل السياسية الفائزة ومنح صلاحيات أوسع لحكومة رئيس الوزراء المنتهية ولايته مصطفى الكاظمي.

ويتابع القصاب أن "السيناريو الآخر، يتمثل بالتهديد بالنزول للشارع وإخراج جماهير التيار الصدري من أجل الضغط على القوى السياسية للحضور لجلسة البرلمان".

ويشير المحلل السياسي العراقي إلى أن الصدر قد يلجأ لخطوة أخيرة، عبر الطلب من الكتلة الصدرية الدعوة لحل البرلمان والذهاب إلى انتخابات مبكرة، مبينا أن "هذا سيزيد الضغط على قوى الإطار التنسيقي وربما يجبرهم على التراجع والقبول بشروط الصدر".

 

حل البرلمان

وفي حال تواصل الانسداد السياسي، قد يجري اللجوء إلى حلّ البرلمان والذهاب لانتخابات مبكرة جديدة، وفقا لرئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري.

يحتاج هذا الخيار إلى أن يعرض ثلث أعضاء البرلمان حله أمام مجلس النواب، ثم يصوت المجلس نفسه بالنصف + واحد، ويحل البرلمان نفسه. 

ويضيف الشمري في حديث لموقع "الحرة" أن "كل المؤشرات تقول إن الانغلاق سيستمر، خصوصا وأن الصدر أعلن عدم تحالفه مع قوى الإطار الموالية لإيران".

ويتابع الشمري أن "الانغلاق لا يرتبط فقط بتشكيل الحكومة، وإنما، حتى لو تشكلت من باقي الأطراف فسنصبح أمام ازمة كبيرة، لأن الصدر قد يلجأ إلى الشارع والمعارضة والتظاهرات والاعتصامات، وهذا يعني أن البلاد ستدخل في أزمة كبيرة".

يرى الشمري أن "الطبقة السياسية الحالية غير قادرة على إيجاد الحلول، وبالتالي يمكن أن تنخرط الأمم المتحدة بالذهاب نحو مبادرة لإصلاح النظام السياسي وإنهاء حالة الانغلاق".

يرجح الشمري أن تشهد الفترة المقبلة تجددا للاحتجاجات الشعبية التي شهدتها البلاد في أكتوبر 2019، ومهدت الطريق لانتخابات 2021.

يقول الشمري إن "هذه الاحتجاجات ستجبر الطبقة السياسية على حل البرلمان بعد تعديل قانون الاقتراع والمضي قدما نحو إقامة انتخابات جديدة وفق قانون جديد يختلف عن القانون الحالي الذي وضع وفق مصالح القوى السياسية".

ويختتم الشمري بالقول إن "حل البرلمان هو الخيار الأسلم للجميع، لإن اندلاع الاحتجاجات قد يؤدي للفوضى، وهذا بدوره قد يؤدي لخسارة القوى السياسية لمستقبلها"، مضيفا "إذا ما أرادت هذه القوى الحفاظ على مستقبلها فعليها أن تمضي قدما من اجل حل البرلمان بدلا من انتظار اندلاع الاحتجاجات".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.