بسبب ميوله السياسية وشعره الثوري قضى النواب أكثر من نصف حياته في المنفى- أرشيفية
بسبب ميوله السياسية وشعره الثوري قضى النواب أكثر من نصف حياته في المنفى- أرشيفية

نقلا عن موقع الحرة

"هو ميت منذ عام 2005" يقول الكاتب والروائي السوري إبراهيم الجبين في تعليقه على وفاة الشاعر العراقي الكبير مظفر النواب.

وأعلنت وفاة النواب، الجمعة، في أحد مستشفيات الشارقة في دولة الإمارات عن عمر ناهز 88 عاما بعد صراع طويل مع المرض.

عرف النواب، المولود في أحد أحياء بغداد القديمة عام 1934، بإسلوبه الفريد في نظم الشعر وإلقائه باللغة الفصحى واللهجة العامية.

مظفر النواب هو أحد أبطال رواية "عين الشرق" التي كتبها الجبين وتحدث في بعض أجزائها عن جوانب "حياة النواب غير المعروفة" بالنسبة للكثيرين وعلاقته مع والدته.

 

غياب والدته

يقول الجبين لموقع "الحرة" إن والدة النواب كانت سيدة بغدادية "فريدة من نوعها" وعازفة بيانو وهي من ربته على تذوق الفنون.

استمرت صداقة الجبين، الذي يعيش اليوم في ألمانيا، بالنواب منذ عام 1989 عندما كان الشاعر العراقي يسكن في المنفى في دمشق.

عندما التقاه آخر مرة كان يشكو من صدمة مستمرة في حياته وهي السبب في رحيله اليوم، وفقا للجبين، الذي يشير إلى أن النواب كان قويا جدا جسديا ويهتم بصحته كثيرا، لكن وفاة والدته كان لها الأثر الأكبر في وفاته اليوم.

ويضيف أن "اللحظة التي تبلغ فيها بوفاة والدته كانت لحظة صادمة، لم يكن يتوقع أن تموت هذه المرأة".

يروي الجبين اللحظات الأولى التي عاشها النواب عند سماع نبأ وفاتها وكيف أثرت بعد ذلك عليه بحيث أصبح إنسانا مختلفا.

"اتصل ليطمئن عليها في بغداد في أحد أيام عام 2005.. أخبروه أن لا أحد في المنزل.. فسألهم أين ذهبوا، أجابوه أنهم في طريقهم من المقبرة لأنهم كانوا يدفنون والدته". 

يتابع الجبين "مباشرة أصيب بصدمة، وهذه الصدمة حسب وصفه وتعبيره اختارت أضعف ركن من أركان جسمه وهو جهازه العصبي".

بعد تلك الحادثة الحزينة على قلب النواب تم تشخيص إصابته بمرض الشلل الرعاشي وظل عليلا مذاك.

يقول الجبين "هو مات من تلك اللحظة، ولم يعد مظفر الذي اعتدنا عليه، الإنسان الفرح حتى في قصائده الحزينة تتلمس الفرح والاحتفال بالمحبوب والتفاؤل ولا يوجد عنده يأس.. فقدانه لوالدته دمر روحه من الداخل".

 

الشعر الثوري

بسبب ميوله السياسية وشعره الثوري قضى النواب أكثر من نصف حياته في المنفى بعيدا عن بلده الأم متنقلا بين سوريا ولبنان وليبيا ودول أخرى.

بدأت موهبة النواب الشعرية تظهر منذ أن كان في مرحلة الدراسة الابتدائية وحتى الثانوية قبل أن يدرس في كلية الآداب التي تخرج فيها عام 1956 ويتم تعيينه بعدها مفتشا فنيا بوزارة التربية. انتمى في شبابه إلى الحزب الشيوعي العراقي وناضل في صفوفه.

شهدت تلك الحقبة من تاريخ العراق فترة انقلابات وصراعات شديدة بين الشيوعيين والقوميين الذين سيطروا على الحكم بعد انقلاب عام 1963 لتتم ملاحقة النواب ورفاقه، مما اضطره إلى الهرب لإيران محاولا التوجه للاتحاد السوفيتي السابق في حينه.

لكن المخابرات الإيرانية اعتقلته وسلمته للسلطات العراقية ليحكم عليه بالإعدام ومن ثم يخفف الحكم للسجن المؤبد.

دخل السجن في نهاية عام 1963 حيث كتب قصيدته الشهيرة (البراءة) التي تعد واحدة من أهم ما كتب.

احتجز النواب في سجن "نقرة السلمان" سيئ الصيت المخصص في حينه للمعتقلين السياسيين، وبعدها نقل إلى سجن الحلة في محافظة بابل حيث تمكن من الهرب بطريقة مثيرة بعد حفر نفق من زنزانته إلى خارج أسوار السجن.

استمر هاربا حتى عام 1969 عندما صدر عفو عام عن المعارضين السياسيين فغادر بعدها العراق وتنقل بين عدد من العواصم العربية منها بيروت ودمشق وعمان.

 

الريل وحمد

خلال تلك الفترة أنهى النواب أول دواوينه وكان باللهجة العامية العراقية وحمل عنوان قصيدته الشهيرة "الريل وحمد" والتي بدأ في كتابتها عام 1956 وانتهى منها عام 1958.

خرجت من هذا الديوان أشهر الأغاني العراقية، ومنها "الريل وحمد" و"البنفسج"، التي غناها المطرب العراقي المعروف ياس خضر.

اهتم كثيرا بالقضية الفلسطينية وكتب عنها عشرات القصائد منها قصيدة (القدس عروس عروبتكم) التي هاجم فيها القادة العرب بألفاظ حادة وبسببها منعته معظم الدول العربية من دخول أراضيها فكان يلقب بـ "شاعر القصيدة المهربة".

في عام 1976 أثارت قصيدة "تل الزعتر" عن أحداث مخيم تل الزعتر للاجئين الفلسطينيين في لبنان موجة غضب جديدة ضد الشاعر العراقي مما اضطره للترحال من جديد وانتقل إلى ليبيا.

دأب على انتقاد قمم جامعة الدول العربية فكان يكتب قصيدة عقب كل قمة يهاجم فيها المواقف السياسية لقادة المنطقة ومن هذه القصائد (دوامة النورس الحزين) و(القمة الثانية) و(تكاثرت القمم).

من قصائده أيضا (بنفسج الضباب) و(في الحانة القديمة) و(قراءة في دفتر المطر) و(يا حزن) و(عائلة القطط) و(يا جهيمان). ورغم تأثره بالأوضاع السياسية التي عاصرها وكتب عنها جاءت قصائده الأخرى في الحب والغزل عذبة ورقيقة.

 

صدام والأسد

بعد صعود حزب البعث إلى السلطة في عام 1968 وإصداره عفوا عاما عن السجناء السياسيين التقى النواب بصدام حسين، الذي كان يشغل في حينه منصب نائب رئيس الجمهورية.

عن هذه الحادثة يقول النواب في مقابلة متلفزة سابقة إن اللقاء استمر لنحو ساعتين في بغداد حيث أبلغه صدام أن الشيوعيين يجب أن يتعاونوا مع البعثيين وعرض عليه تولي منصب رسمي لكنه رفض. هرب النواب بعدها لخارج العراق ولم يعد للبلاد حتى عام 2011 لبضعة أيام ومن ثم غادرها مجددا.

يقول الروائي السوري إبراهيم الجبين إن النواب أبلغه ذات مرة أن أحد المقربين من صدام حسين انشق عن النظام وروى كيف كان الرئيس العراقي السابق يستمع لقصائد النواب الشعبية ويبكي.

ويضيف أن "هذه الحادثة أثرت بمظفر كثيرا على اعتبار ان أحد ألد أعدائه والذي حكم عليه بالإعدام، يستمع لأشرطته الممنوعة في العراق ويبكي متأثرا".

ليس هذا فحسب إذ يشير الجبين إلى أن النواب كان له موقف مع الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، إذ يؤكد أنه رفض مقابلته على الرغم من أنه كان يعيش في دمشق، في ظل نظام سياسي دكتاتوري وشمولي.

يقول الجبين إن النواب "قبل الضيافة والبقاء في سوريا لكنه رفض الدعوة الرسمية، التي جاءته لزيارة القصر الجمهوري ولقاء الأسد".

يشير الجبين إلى أن النواب كان "يتمتع بطاقة هائلة يريد تفريغها بالشعر والسياسة والعمل النضالي ومناوءة الأنظمة الدكتاتورية".

ويرى الجبين أن "النواب أثر كثيرا على الشعر العربي، بمستوى لا يقل عن تأثير الشاعر الكبير نزار قباني، بل ربما أكثر لأنه كان يكتب بالفصحى والعامية معا".

يختتم الجبين بالقول "أنا لست حزينا اليوم لوفاته، لأني مدرك تماما أن تأثيره باق ومستمر وسيصل أكثر لمن عرفه ولمن لم يعرفه من الأجيال القادمة".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.