العراق: سبح وأحجار بآلاف الدولارات في عالم من الحقائق والخرافات
عند بسطة صغيرة في شارع مختص ببيع الأنتيكا والأحجار، يجلس أبو علي عارضاً عدة أنواع من السبح والأحجار والخواتم الفضية ذات الألوان والأحجام والتصاميم المختلفة.
ومع بساطة الحال الذي ظهر عليه أبو علي (50 عاماً)، إلا أنه كان يسوّق من وراء نافذة زجاجية، لزبونة سبحة يتجاوز سعرها ثلاثة آلاف دولار أميركي، إذ تتكون من أحجار الكهرب ويطلق عليه الكهرمان أيضاً (Amber).
ولا يقتصر الأمر على معروضات من سبح نادرة وتراثية ذات أسعار باهظه، إنما في أحجار مزينة برسومات هندسية وأخرى تحوي طلاسم وسوراً قرآنية ورموزاً دينية، بلغ سعر بعضها خمسة ملايين دينار عراقي (حوالي 4000 دولار) وأكثر.
يقول أبو علي لـ"ارفع صوتك": "هنالك أنواع مميزة ومرغوبة وتمثل أهمية كبيرة لمريديها المعنيين بالأحجار والسبح، ويجهل ثمنها الكثيرون ممن لا يعرفون بتلك المهنة وأسرارها".
ويؤشر لنا نحو سبح باهظة الثمن، يتجاوز بعضها 20 مليون دينار (14 ألف دولار) وهي موضع طلب من قبل زبائنها الخاصّين، وهم غالباً من التجّار ووجهاء العشائر، كما يقول أبو علي.
وتدور قصص وروايات عن بعض أسرار الأحجار التي تصنع منها بعض السبح لدرجة الإيمان بقدرتها على إحداث "معجزات"، تدخل في موضوع استحصال الرزق وتعطيل قدرة الخصم، كما يُستخدم بعضها "ضد الرصاص الحي"، إذ يعتقد حاملها أنها ستحميه.
يبيّن أبو علي، الذي أمضى في مهنته نحو ربع قرن، إن "هناك كلاماً كثيراً وكبيراً في سجايا وميزات بعض الأحجار، خصوصاً الجوانب الروحانية منها. لكن واقعياً، لم أصادف قصصاً حقيقية حول ذلك".
ويعتبر تلك القصص "مصائد وحيلاً يستخدمها بعض البائعة لإغراء الزبائن".
ومن بغداد إلى حيّ الكوفة بمدينة النجف، نلتقي التاجر علي الياسري، الذي يمتلك محلاً لبيع السبح والخواتم.
يقول الياسري: "اقتناء السبح والخواتم جزء من تقاليدنا وأعرافنا العربية، وبعدها تأتي الجوانب المتعلقة بمزايا وخصائص بعضها".
ويضيف: "السبحة والخاتم تعتبران جزءاً من هيبة الرجل وتعززان حضوره في المجالس والمحافل العامة".
ويوضح الياسري لـ"أرفع صوتك"، أن "بعض أنواع السبح المصنوعة من الكهرب، تدخل في استخدامات طبية وصحية، كمعالجة التهاب الكبد الفيروسي وتنقية الدم، فضلاً عن تأثيرها في امتصاص الطاقة السلبية للإنسان".
ويلفت إلى أنه "باع قبل شهور مسبحة كهرب من نوع فاخر بقيمة 14 ألف دولار".
ويتابع أن "تجارة الأحجار والسبح ليست محصورة في العراق والمنطقة العربية، إذ تنتشر أيضاً في دول أوروبية وأميركية"، مردفاً "قبل فترة وجيزة صدّرت بضاعة بقيمة مليون دولار إلى الولايات المتحدة الأميركية".
ويصنّف الكهرب في مقدمة السبح المطلوبة والمرغوبة في الأسواق العراقية، مع تدرجات فصائله وأوزانه وطبيعة اللون وشكل النقش فيه.
و"الكينكرادي" (نسبة لمدينة روسية) هو أغلى أنواعه، إذ يتجاوز وزن الغرام الواحد منه 125 دولاراً، يأتي بعده وبأسعار أقل، الكهرب الألماني والبولوني واللتواني والأوكراني والكاريبي.
والكهرب متحجر من الأشجار الصنوبرية المنقرضة في بعض مناطق الغابات الصنوبرية ، تشكلت قبل آلاف السنين.
ولا يعد إطلاقاً من مجموعات الأحجار الكريمة المعدنية الأساسية، إنما مواد عضوية متحجرة من المواد النباتية العضوية. لذلك هو هش ويبعث رائحة الشجر الصنوبري عند فركه باليد أو إحراقه، ويتدرج لونه في العادة من الأصفر إلى الأصفر الداكن.
ويحتل حجر السندلوس المرتبة الثانية بعد الكهرب، لكنه مصنّع، تدخل مواد متعددة في تركيبه وتختلف أسعاره طبقاً لنوعيته وجودة التصنيع، منه الألماني والبلجيكي والتركي.
ومن الأنواع الأخرى ذات الأسعار المرتفعة من الأحجار المشكّلة للسبح والخواتم: اليسر، الذي يستخرج من قاع البحر الأحمر، وباي زهر والفيروز والمرجان والعاج.
ويدخل الموروث الديني والشعبي والاعتقادات الاجتماعية في تسيير ورواج تلك البضائع التي راجت خلال السنوات القليلة الماضية في العراق بشكل كبير، حتى باتت تضاهي تجارة الذهب.