العراق

ماذا بعد إقرار قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي في العراق؟

ارفع صوتك
09 يونيو 2022

بأغلبية مطلقة، صوّت البرلمان العراقي، خلال جلسّة النواب التي حضرها 273 نائباً، لصالح مشروع قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي.

وجاء ذلك ضمن آخر جلسة له في الفصـل التشريعي الأول،  الأربعاء، قبل أن يعلن الدخول في العطلة التشريعية التي تستمر نحو 30 يوماً.

ويُنهي تمرير القانون، جدلاً وطعناً متبادلاً بين القوى السياسية استمر ثلاثة أشهر.

وكان رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، دعا خلال شهر أبريل الماضي، القوى السياسية إلى التصويت على قانون الأمن الغذائي دون "تفريغه من محتواه"، مشيراً إلى أن هدفه "توفير الحماية اللازمة لشعبنا".

وفي بيانها الصادر عقب التصويت، قالت الدائرة الإعلامية لمجلس النواب،  إن "القانون يهدف إلى تحقيق الأمن الغذائي وتخفيف حد الفقر وتحقيق الاستقرار المالي، في ظل التطورات العالمية الطارئة والاستمرار بتقديم الخدمات للمواطنين والارتقاء بالمستوى المعيشي لهم بعد انتهاء نفاذ قانون الموازنة، وخلق فرص العمل وتعظيم استفادة العراقيين من موارد الدولة، ودفع عجلة التنمية واستئناف العمل بالمشروعات المتوقفة والمتلكئة بسبب عدم التمويل والسير بالمشروعات الجديدة ذات الأهمية".

وتضمن القانون الذي يتكون من 14 بنداً، تعديلاً في إحدى فقراته يتضمن نفاذ ذلك المشروع بعد التصويت عليه من قبل مجلس النواب دون حاجة المصادقة عليه من قبل رئاسة الجمهورية أو النشر في الجريدة الرسمية.

 

14 تريليون دينار عراقي

يقول عضو اللجنة المالية النيابية جمال كوجر، لـ"ارفع صوتك"، إن "التخصيصات المالية المرصودة في قانون الدعم الطارئ، مصنفة لبندين، أولهما يختص بالمنح الطارئة والمستعجلة التي تُعنى بالطاقة والصحة والخدمات الأساسية وتوفير الغذاء ورواتب الرعاية الاجتماعية، حيث تم رصد نحو 10 تريليونات ونصف ترليون دينار لذلك الجانب".

بينما يتضمن البند الثاني "تخصيص 14 تريليون دينار، يُصرف قسم منها الآن والآخر يؤجل لما بعد تشكيل الحكومة الجديدة"، حسب كوجر,

ويستفيد القانون الطارئ من عوائد النفط الخام، بتخصيص جزء من ريعها المادي، بعد الارتفاع الكبير الذي سجلته أسعار النفط العالمية وما ترافق معها من أزمة غذاء عالمية نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية.

وطيلة الفترة الماضية تصدت قوى الإطار التنسيقي لاعتراض تمرير القانون الطارئ، الذي تُحسب صناعته وإنتاجه لمعسكر الخصم السياسي الائتلاف الثلاثي "إنقاذ وطن"، قبل أن تتبدل المواقف ويدخل ضمن المصوّتين في جلسة الأربعاء.

وبرّر عضو الإطار التنسيقي أحمد الأسدي، في تغريدة، تراجع فريقه عن مواقف الرفض والتشكيك وتبدلها بالقبول والتصويت، بـ"تضمين مادة واضحة تُلزم الحكومة بالعمل وفق قرار المحكمة الاتحادية".

وبعد ساعات معدودة على إقرار القانون، دعا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، إلى تشكيل لجان رقابية لمنع التلاعب في تطبيق قانون الأمن الغذائي.

في نفس السياق، عدّ النائب الأول لرئيس البرلمان حاكم الزاملي، التصويت على قانون "انتصاراً لحقوق الفقراء، مؤكداً "سنتابع آلية صرف المبالغ المرصودة فيه".

وأشار في تصريحات له عقب التصويت، إلى أن مجلس النواب ماضٍ في إصدار التشريعات المهمة ومحاسبة الفاسدين.

وكان من بين الممتنعين عن التصويت، كتلة "إشراقة كانون" التي تضم 6 نواب، مبررة موقفها بأنه "التزام بالدستور وبقرارات المحكمة الاتحادية وتفسيراتها الباتة والملزمة للجميع والدفع باتجاه إيجاد الحلول الحقيقية والواقعية وحفاظاً على تقنين صرف المال العام بطرق دستورية".

من جانبه، علّق عضو اللجنة المالية النيابية النائب مصطفى سند، عضويته في اللجنة، احتجاجاً على "التلاعب" بفقرات قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية الذي أقره مجلس النواب.

وقال خلال مؤتمر صحفي عقده في مبنى البرلمان: "للأسف تم الكذب على عقود 315 وكانت هناك فقرة تم التصويت عليها داخل اللجنة المالية لتثبيتهم على الملاك الدائم وتفاجئنا بإلغاء الفقرة بعد عرضها للتصويت داخل الجلسة"، مختتماً حديثه " نعتذر عن كذبنا على هؤلاء الناس".

وتضمن قانون الدعم الطوارئ تخصيصات مالية لتنمية الأقاليم المتضررة، حيث جاءت محافظة الديوانية في الصدارة من خلفها بابل.

كما تضمنت فقرة تُعنى بتخصيصات مالية للمفسوخة عقودهم في وزارة الدفاع والحشد الشعبي وبعض الدوائر الأمنية الأخرى.

ارفع صوتك

مواضيع ذات صلة:

فقد تنظيم داعش مصدر تمويله الرئيسي، النفط، بعد خسارته لأراضيه في سوريا والعراق.
فقد تنظيم داعش مصدر تمويله الرئيسي، النفط، بعد خسارته لأراضيه في سوريا والعراق.

يبدو تنظيم داعش، عندما يتعلق الأمر بالتمويل والبحث عن مصادر دخل تنعش موارده المتدهورة، أشبه بكيان متمرس في عالم المافيا والجريمة المنظمة. الكثيرون، بمن فيهم أمراء كبار، انشقوا عنه حينما صدمتهم هذه الحقيقة. 

قيادة التنظيم نفسها تدرك جيدا أن تسليط الضوء على هذا الجانب من نشاطات التنظيم يقوض الصورة التي رسمها لنفسه أمام أتباعه وأنصاره. لذلك لم يتبنَّ يوما أي عملية قتل أو تخريب قام بها باسم جباية ما يسميها "الكلفة السلطانية" رغم أن جزءا من جهوده، لا سيما في شرق سوريا، مكرس لهذا النشاط الشنيع.

 

الكلفة السلطانية

 

منذ خسارة التنظيم للمساحات الشاسعة التي كان يسيطر عليها في سوريا والعراق، وما نجم عن ذلك من فقدانه لما تدره عليه المعابر وحقول النفط من موارد مالية كبيرة، فَعّل التنظيم عددا من "الخطط الاقتصادية" البديلة كان من بينها جباية ما يسميها "الكلفة السلطانية".

تعد " الكلفة السلطانية" نشاطا مدرا للدخل إلى جانب نشاطات أخرى ضمن "اقتصاد الحرب" تضخ في خزينة التنظيم أموالا طائلة، مثل التهريب، والاختطاف، وتجارة الآثار، والسطو على البنوك ومحلات الصرافة، واستحواذه على احتياطات العملة الصعبة والذهب في المدن التي اجتاحها، ونهب ممتلكات الطوائف الأخرى وغيرها.

تزامنت ثورة مواقع التواصل الاجتماعي مع الصعود السريع لتنظيم داعش عام 2013.
"داعش".. خلافة رقمية يطوقها مارد الذكاء الاصطناعي
الشركات التكنولوجية الكبيرة شرعت منذ 2017 في الاعتماد كليا على خوارزميات الذكاء الاصطناعي لرصد وحذف المواد التي تروج للتطرف العنيف على منصاتها، بينما اقتصر دورها في السابق على تكميل جهود فرق بشرية يقع على عاتقها عبء هذه العملية برمتها.

لعدة سنوات ظل التنظيم يجمع " الكلفة السلطانية" لاسيما في مناطق الشرق السوري، حيث تنتشر حقول النفط، والمساحات الزراعية، وممرات التهريب، والمتاجر ومحلات الصرافة. لكنه لم يكن يتحدث عن ذلك لا في إعلامه الرسمي ولا الرديف، بل وتحاشى الاشارة إليها حتى في مراسلاته الداخلية، لأنه يدرك أن جدلا محموما سينتج عن ذلك، وسيحتاج إلى فتاوى دينية وجهود دعائية كبيرة لإقناع أتباعه بـ"وجاهة" أفعاله، وقد خرج أعضاء سابقون في التنظيم ونشروا على قنواتهم الرقمية "أن إرغام المسلمين غصبا وبحد السيف على إعطاء جزء من حلالِهم لثلة من المفسدين في الأرض هو عمل عدواني لا يقوم به إلا أهل البغي وقطاع الطرق".

 

ضريبة على رعايا الخليفة!

 

ينبغي التفريق هنا بين ما ينهبه التنظيم ممن يعتبرهم "كفارا ومرتدين" والذي يسميه ب"الفيء" و"الغنيمة" وبين ما يجبيه باسم "الكلفة السلطانية". فالكلفة السلطانية هي ضريبة يؤديها "المسلمون ورعايا الخليفة" بالقوة والإكراه، أي أن المستهدفين بها هم في عرف التنظيم من المسلمين الذين "لا تحل أموالهم ودماؤهم" ولا تدخل "الكلفة السلطانية" أيضا ضمن الزكاة الواجبة التي تتم جبايتها قسرا من المسلمين من طرف أمنيي التنظيم.

وبعد انكشاف أمر عمليات السطو والنهب هذه لم يجد التنظيم بدا من الحديث عنها في مراسلاته الداخلية، وانتداب أحد شرعييه لصياغة فتوى لتسويغها من الناحية الدينية.

صاغ أبو المعتصم القرشي، وهو أحد كوادر "المكتب الشرعي" لـ"ولاية الشام" فتوى مطولة في 12 صفحة، وحشد فيها مجموعة من النصوص الدينية والقواعد الأصولية التي اعتبرها "أدلة شرعية" على جواز نهب أموال المسلمين بالقوة والإكراه!.

عَرّف القرشي الكلفة السلطانية بأنها " الأموال التي يطلبها الإمام من الناس لأجل مصلحة شرعية". ولعجزه عن إيجاد نصوص قطعية من الكتاب والسنة لتبرير هذه "البدعة الداعشية"، فقد لجأ إلى القواعد الأصولية من قبيل" يُتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام" و" درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"، و" تفويت أدنى المصلحتين لتحصيل أعلاهما"، و"ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب".

يعني هذا ببساطة أن مصلحة استمرار عمليات التنظيم والحفاظ على قوته ومقدراته مقدمة على مصالح الناس الأخرى، وأن تواصل عمليات التنظيم باعتبارها "جهادا مقدسا"  إذا لم يتم إلا بالسطو على أموال الناس فيجب السطو عليها.

أكد القرشي في نص فتواه جواز استخدام العنف والقوة لجباية الأموال، قائلا: "لا شك أن المال عصب الجهاد، والإعداد لا يكون إلا به، فتحصيله وتوفيره واجب على الإمام ولو بالقوة والإكراه"، ومن امتنع عن أداء "الكلف السلطانية جاز للإمام أو من ينوب عنه أن يعزره بشكل يكون رادعا له ولغيره حتى يؤدي ما عليه من الحقوق المالية في هذا الشأن".

أما الفئات الاجتماعية المستهدفة بهذه الضريبة، فقد قدم أبو المعتصم سردا طويلا بأصحاب المهن والمحلات التجارية والأطباء والصرافين والفلاحين والمدارس والكليات وتجار الدجاج والبيض وتجار المواشي والمستشفيات. ولم يترك أي نشاط مدر للدخل إلا وأشار إليه ضمن الذين فرض عليهم دفع "الكلف السلطانية"، ولم يستثن سوى أصحاب البسْطات على الأرصفة.

أخطر ما في الفتوى هو أن الممتنع عن أداء ما يطلبه التنظيم من أموال سيكون مصيره القتل والحكم عليه بالردة، و" طريقة استخدام القوة تتفاوت حسب المعاندة والممانعة بين التهديد، والإتلاف لبعض المال، أو التعزير، أو التغريم المالي وحتى الجسدي، ثم القتل إذا استعان الممتنع بشوكة الكفار والمرتدين على المجاهدين فعندها يُطبق عليه حكم الردة" حسب تعبير أبي المعتصم القرشي.

 

معاناة الناس في شرق سوريا

 

في شرق سوريا، يتم استخلاص هذه الضريبة بعد توجيه رسائل تهديد بأرقام دولية عبر تطبيق واتساب إلى المعنيين، وتخييرهم بين دفع "السلطانية" أو مواجهة خلايا الاغتيال، بعد تخريب ممتلكاتهم وتقويض مشاريعهم التجارية والاستثمارية.

وحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد ارتفعت هذا العام نسبة تلك الضرائب إلى حد كبير جداً مقارنة بالسنوات الفائتة، حتى بلغت نحو 616 ألف دولار من تجار النفط والمستثمرين.

وحصل المرصد على إفادة من أحد العاملين في شركة مستثمرة في قطاع النفط في المنطقة الشرقية (دير الزور) تقول بأن الشركة رفضت دفع كامل المبلغ المطلوب منها تحت مسمى "الكلفة السلطانية"، والتي قدرها التنظيم بنصف مليون دولار أميركي، ودفعت بدلها 300 ألف دولار، لكن التنظيم هدد سائقي صهاريج المحروقات التي تعمل لصالح الشركة بالاستهداف إذا لم يتم دفع المبلغ كاملا في غضون أسابيع، ولم يعد لدى الشركة خيار آخر سوى تدبير ما تبقى من المبلغ.

مستثمر آخر في قطاع النفط توصل برسالة عبر تطبيق الواتساب من رقم دولي مفادها بأن عليه دفع "الكلفة السلطانية" البالغ قدرها 75 ألف دولار، وعدم إخبار أي جهة تابعة لقسد أو التحالف الدولي بذلك ووجهت له تهديدات في حال التبليغ أو عدم دفع المبلغ خلال أسبوع، وأن خلايا التنظيم ستقوم بزرع عبوة في سيارته أو حرق بئر النفط الذي يعود له.

ولفت المرصد إلى أن خلايا داعش في بادية ريف دير الزور الشرقي تفرض ضرائب تتراوح بين 1000 و3500 دولار، في مناطق ذيبان وحوايج ذيبان وجديد بكارة، على المستثمرين الذين يعملون على توريد المحروقات إلى "سادكوبى" التابعة للإدارة الذاتية في دير الزور.

يعمد التنظيم أيضا إلى حرق المحاصيل الزراعية التي تعود للفلاحين الذين رفضوا الرضوخ لابتزازه ودفع الأموال التي يطلبها منهم، ورمي القنابل اليدوية على منازل الأثرياء، وعيادات الأطباء، وقد هرب عدد من الأطباء من المنطقة الشرقية بعدما أثقل التنظيم كاهلهم بالضرائب و"المكوس"، ولا سيما وقد وضعهم في رأس قائمة أهدافه لأنهم -حسب اعتقاده- يجنون الأموال أكثر من غيرهم.