على ما يبدو أن الصدر استنفذ كل أنفاس المناورة وفرص المرور إلى حكومة جديدة برداء "الأغلبية الوطنية"، ليدفع باستقالة نوابه ويضعها تحت رهن رئيس البرلمان محمد الحلبوسي الذي قرر "على مضض"، تمريرها بالموافقة.
الصدر، عقب صراع واحتدام طويل استمر شهورا، اختار لكتلته البرلمانية الأكبر في مجلس النواب الخروج من "الباب الخلفي" للأزمة المستمرة والمستعيرة حتى الآن، بعد فشل كل محاولات التقريب مع خصومه في الإطار التنسيقي.
على ما يبدو، وبحسب مراقبين، فإن خطوة الصدر الأخيرة لن تكون نهاية للانسداد السياسي الحاصل في البلاد بقدر اجترار الأزمة ومظاهر تحولها إلى نهايات مفتوحة تنذر بكل ما يهدد العملية السياسية بكاملها بالانهيار.
وكان الصدر وجه، منذ الخميس الماضي، نوابه الـ73 إلى تحرير طلبات الاستقالة ووضعها تحت اليد لحين اتخاذ قرار بتحريكها رسمياً على خلفية الأزمة السياسية الدائرة بشأن تشكيل الحكومة الجديدة.
ومنذ إعلان نتائج الانتخابات التشريعية المبكرة تداعى الخلاف بين الصدر وخصومه في البيت الشيعي من قوى الإطار التنسيقي على خلفية تشكيك الأخير، بنتائج انتخابات أكتوبر التشريعية.
وتبدي قوى الإطار، التي تضم أحزابا وكيانات مقربة من إيران، ممانعة كبيرة لتمرير خطة الصدر تشكيل حكومة "أغلبية وطنية"، قوامها الفائزون الكبار من القوى السنية والكردية والشيعية.
وكان الصدر اقترب مع حلفائه من السيادة والديمقراطي الكردستاني من المضي بتمرير مرشح رئيس الجمهورية وتكليف مرشح الكتلة النيابية الأكبر لتشكيل الحكومة ، إلا أن تفسير المحكمة الاتحادية لما عرف بـ"الثلث المعطل"، دفع العصي في دولاب "إنقاذ وطن".
وردت المحكمة الاتحادية، وهي السلطة القضائية الأعلى في العراق، بتفسير ملزم ينص على أن جلسة تمرير رئيس الجمهورية في مجلس النواب تتطلب تصويت ثلثي أعضاء البرلمان بواقع 220 نائباً مما أعطى قوى الإطار القدرة على التعطيل.
وغداة خطوة اتخذها في مايو الماضي بالذهاب نحو المعارضة النيابية لمدة ثلاثين يوماً، اتهم الصدر القضاء بمسايرة خصومه وفرض إرادات "تركيع الشعب وإذلاله"، مشيراً إلى ما وصفه "أفعال الثلث المعطل المشينة".
وكان الصدر طرح في أكثر من مرة مبادرات وجهها لقوى الإطار التنسيقي تبعها بأخرى للقوى المستقلة بالمضي نحو تشكيل الحكومة خلال مدد مشروطة إلا انها انتهت بالفشل دون أن تحرك ساكناً في المشهد المحتدم.
المحلل السياسي عقيل عباس، وخلال حديث لـ"ارفع صوتك"، قال إنه "بمغادرة الصدر للمشهد السياسي باستقالة نوابه نكون أمام نهاية مرحلة مهمة في تاريخ البلاد سجل من خلالها محاولة حقيقية لإصلاح الوضع القائم".
ويلفت عباس إلى أن "الصدر حاول مراراً وتكراراً إحداث تغيير منشود بكسر المعادلات السياسية الحاكمة للبلاد منذ سنوات، إلا أن ذلك لم يرق لمعسكر الخصوم خشية فقدان حضورها المتمترس تحت عباءة التوافق والمحاصصة".
ويرى الأكاديمي والمحلل السياسي، عصام الفيلي، أن "البلاد تسير نحو نهايات مفتوحة وقلقة بكل الاحتمالات السيئة بعد قرار استقالة النواب الصدريين وعلى الخصوم تدارك الأمر قبل فوات الآوان".
ويضيف الفيلي، لـ"ارفع صوتك"، أن "مغادرة التيار الصدري لا تعني انتهاءً للأزمة بقدر تطورها وتحولها إلى نسخ أكثر احتداماً وخطورة والتي قد تتجلى تداعياتها بشكل واضح من خلال مواقف حادة من قبل الشارع العراقي".
وكان أنصار الصدر، عشية موافقة الحلبوسي على طلبات الاستقالة، أكدوا جهوزيتهم للنزول إلى الشوارع والتظاهر عبر "هاشتاغ"، أطلقوه على مواقع التواصل الاجتماعي.
وقبل ذلك، كان الصدر أردف قرار استقالة نوابه بتوجيه تضمن غلق جميع مؤسسات التيار الصدري السياسية في البلاد والاقتصار فقط على المكاتب الدينية .
وبشأن الاجراءات المتعلقة بقرار الانسحاب وسد النقص الحاصل في مجلس النواب، يقول الخبير القانوني علي التميمي إن "قرار الاستقالة ملزم من لحظة توقيع رئيس مجلس النواب على الطلبات التحريرية".
ويفت التميمي، خلال حديث لـ"ارفع صوتك"، إلى أن "موافقة رئيس مجلس النواب على قرار الاستقالة للنواب الصدريين تكفي. وليس هنالك ما يفرض بعرضها على البرلمان بغرض التصويت عليها".
إلا أن هنالك مدة زمنية تتيح لنواب التيار الصدري التراجع عن قرار الاستقالة أقصاها 35 يوماً بحسب المادة الأولى من قانون 49 لعام 2007، بحسب التميمي.
ويوضح أن "لرئيس البرلمان البت في طلبات الاستقالة بشكل نهائي خلال تلك المدة وقبيل مفاتحة مفوضية الانتخابات بغرض إيجاد البدلاء".
يأتي ذلك في وقت أبدى حلفاء الصدر في تحالف "إنقاذ وطن" عن مواقف اتسمت بعدم الوضوح وتحديد المصير انتهت عند "متابعة التطورات"، كما جاء في تغريدتين منفصلتين، أحدهما لرئيس تحالف السيادة خميس الخنجر وأخرى لرئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني.