بعد مهر الوردة.. لماذا لا تنخفض مهور الزواج في العراق؟
بمزيج من القبول والتفاؤل والرفض والسخرية، استقبل العراقيون خبراً يتحدث عن عقد زواج لشاب على فتاة بمحكمة هبهب في محافظة ديالى، بمهر مقدّمه باقة ورد ومبلغ مالي قدره ألف دينار عراقي بينما كان مؤجله حجة لـ"بيت الله الحرام" في مكة.
القصة بدأت، وفق ما نشر في صفحات عراقية على مواقع محلية وأخرى للتواصل الاجتماعي، باتفاق الشاب محمد الذي يعمل في الصحافة مع خطيبته، بأن يكون مهرها رمزياً لما تشكله الأوضاع الاقتصادية في البلاد من أزمة حقيقية للشباب.
ولأول مرة في البلاد، تكون باقة الورد هي مقدمة لمهر عقد زواج بعد أن كان القرآن يُقدم بديلاً لمن لا يتمكنون من توفير تكاليف المقدم والمؤخر في مهر عقد الزواج.
وشاع تقليد "القرآن الكريم" في تسعينيات القرن الماضي، خلال سنوات الحصار الدولي والعقوبات الاقتصادية، نتيجة الظروف المعيشية الصعبة وتزايد معدلات الفقر، إذ وصل سعر صرف الدولار الأميركي آنذاك إلى ثلاثة آلاف دينار عراقي.
الفقر والعوز
وتعليقاً على الخبر، تقول أمينة حازم (49عاماً) من بغداد: "لم أتمكن من الزواج إلا بعد عام 2004 بسبب عزوف الكثير من الشباب عن الزواج لارتفاع تكاليفه آنذاك".
وتتذكر كيف أن والدتها كانت ترفض كل من يتقدم راغباً بالزواج منها، لعدم قدرتهم المادية على توفير قيمة المهر وما يتطلبه الزواج من نفقات وتكاليف.
وتضيف أمينة لـ"ارفع صوتك"، أن "المشكلة كانت في أن غالبية العوائل آنذاك، التي تخاف تزويج بناتها من دون أن يقدم لهن المهر المرغوب فيه، من منطلق حماية حقوقهن في حال وفاة الزوج أو الانفصال عنه أو للتباهي بقيمته".
وتؤكد أن "الظروف آنذاك كانت مقلقة بسبب الفقر والعوز، إذ كان الموظف الحكومي يستلم راتباً شهرياً لا يتجاوز 2000 دينار عراقي، وهو لا يكفي لتوفير مبلغ وجبة غداء لفرد واحد وليوم واحد".
وقتها، اضطر الكثير من العراقيين إلى بيع كل ما يملكون من أثاث وأغراض ثمينة وغير ثمينة مقابل توفير لقمة العيش، حتى أن غيرهم دفع به الحال إلى الهجرة ومغادرة البلاد.
وترى أمينة أن تفكير الأهل تجاه تأمين حياة بناتهم في الزواج من شبان مقتدرين مادياً أو منحدرين من أسر ميسورة الحال كان "غير دقيق".
وتشير إلى أنها "تعرف بعض الفتيات اللواتي كن يرفضن فكرة التخلي عن المهر أو التقليل من تكاليفه، يعشن اليوم مجبرات في منازل إخوتهن مع زوجاتهم وأطفالهم".
وتتابع أمينة: "تركيبة المجتمع في السابق تنظر لقيمة المهر في أنه من قيمة المرأة، فلا يمكن أن أنسى مقولة أمي التي كانت ترددها دوماً (يحب الرجل المرأة الغالية التي تكلفه الكثير من الأموال ولن يتنازل عنها، أما المرأة التي لا تكلفه عناء الزواج فمن الممكن أن يتنازل عنها بسهولة.. كأن يتزوج بغيرها أو ينفصل عنها)".
ديون بعد الزواج
قد يكون الأمر نفسه بالنسبة لحميد (60 عاماً)، وهو من بغداد أيضاً، الذي لم يتمكن من الزواج لغاية الآن على الرغم من أنه جرب الارتباط أكثر من امرأة.
يقول لـ "ارفع صوتك"، إن "عدم قدرته على توفير تكاليف المهر المجحفة آنذاك وراء إخفاقه في الزواج".
ويضيف حميد أن "عائلات كثيرة تفرض قيمة المهر كشرط أساسي وليس لبناتهم شأن فيه، الأمر الذي حرمني من الزواج بالفتاة التي أحببتها، في ظل الأزمات الاقتصادية".
ويتابع أن غالبية الذين تمكنوا من الزواج آنذاك، قاموا باستدانة الأموال أو الاشتراك بسلف مالية، وهذا أمر رفض القيام به، خصوصا أنه شهد تجربة أخيه في توفير ديون زواجه، وظل يسددها لأكثر من سنة، بينما تعرض غيره للسجن بسبب عدم قدرته على السداد".
إيجاد الحلول
من جهته، احتفى عمار هشام (31 عاماً)، بخبر مهر الوردة، واستغله للحديث عن ارتفاع مهور الزواج حالياً، التي يعجز الكثير من الشباب - وهو منهم- عن توفيرها.
يقول لـ "ارفع صوتك" إن "مبالغ المهور اليوم تتراوح بين (10- 35) مليون دينار عراقي، وهي مبالغ كبيرة لا يمكن لشاب أن يوفرها من دون مساعدة أهله".
ويتساءل هشام، وهو خريج جامعي "كيف يمكن توفير هكذا مبالغ للزواج وما زلت إلى اللحظة أعمل بأجر يومي لا يتجاوز 15 ألف دينار عراقي؟".
ويأمل أن يكون لمهر الوردة تأثير إيجابي تتبعه خطوات مماثلة في التقليل من تكاليف المهور التي تفرض على الشباب الراغبين بالزواج.
ويرى هشام أن "الأمر كله بيد الحكومة وعليها إيجاد الحلول التي من خلالها يتمكن الشباب من الزواج، كأن توفر فرص عمل مناسبة للشباب وكذلك الحد من ارتفاع الأسعار والتذبذب الحاصل في الأسواق المحلية".
وفي رأي مخالف، تقول سمر صالح (42 عاماً)، إن مهر الوردة "استخفاف بقيمة المرأة، لأن من يتابع هذا الأمر ينظر كيف تفاعل الناس معه وكأن المرأة سلعة".
وتضيف سمر التي تعمل محامية، لـ "ارفع صوتك": "الأوضاع لم تتغير كثيراً عن السابق، الآن ترفض الكثير من النساء التنازل عن مهرهن بسبب تزايد معدلات الطلاق والفقر وانحسار فرص العمل وغير ذلك".
وترى أن "هذا النوع من المهور الرمزية يحدث كثيراً بين الأقارب من عشيرة واحدة أو بين طرفين أحبا بعضهما واتفقا على تذليل العقبات للزواج".
في المقابل "رفضت كثيرات التنازل عن قيمة المهر بعقد الزواج بهذا الشكل، لكنهن قد يحاولن مساعدة الذي يجدنه مناسباً للزواج عبر التخلي عن بعض التكاليف المالية أو التقليل منها".