صورة أرشيفية (تعبيرية) لعناصر أمن في مدينة السليمانية- فرانس برس
صورة أرشيفية (تعبيرية) لعناصر أمن في مدينة السليمانية- فرانس برس

أثار اعتداء عناصر الشرطة بالضرب على عدد من النساء داخل محكمة استئناف السليمانية، غضب الكثير من العراقيين وسكان إقليم كردستان خصوصاً، الذين استنكروا ما جرى، وطالبوا بمحاسبة الجناة.

وشهدت المحكمة الواقعة في محافظة السليمانية بإقليم كردستان العراق، الاثنين الماضي، شجاراً بين نساء وعناصر من الشرطة.

وأظهرت مقاطع فيديو نشرت عبر صفحات التواصل الاجتماعي عناصر الشرطة ينهالون بالضرب على النساء، وهن أخوات المجني عليه طارق بقال، الذي قُتل في السليمانية عام 2018.

وحدث ذلك عقب انتهاء جلسة محاكمة متهم بشراء سيارة المجني عليه، المسروقة من الجناة، وهو بحسب المحكمة آخر المتهمين في قضية مقتل بقال.

ويُحاكم المتهم بحسب المادة (460) من قانون العقوبات العراقية، التي تنص على أن "يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات من حاز أو أخفى أو استعمل أشياء متحصلة من جناية أو تصرف فيها على أي وجه مع علمه بذلك".

وقالت نياز رستم، وهي  إحدى أخوات بقال التي تعرضت للضرب من قبل عناصر الشرطة، في حديث للصحافيين: "جرت محاكمة أحد المتهمين، يوم الاثنين، لكننا لم نكن سعداء بالمحاكمة، لذلك قمنا بالاحتجاج، وفي هذه الأثناء بادر أحد عناصر الشرطة بشد شعري من الخلف وضربني، ففقدت الوعي، وبعد أن أيقظوني علمت أن القوات الأمنية اعتقلت أخواتي الثمانية ووالدتي بتهمة أننا بادرنا بالاعتداء على الشرطة، لكن الآن أطلق سراحهن بكفالة".

وأشارت أنها "سجلت دعوى قضائية بحق الضابط الذي اعتدى عليها".

وأصدرت رئاسة محكمة استئناف السليمانية بيانا حول الحادثة، قالت فيه إن "أقارب طارق بقال أهانوا القضاة والمدعين العامين والشرطة والحراس والمحامين، واستنادا على شكوى من الشرطة الذين اعتدي عليهم حولوا إلى محكمة التحقيق بموجب المادة 230 من قانون العقوبات، ومن ثم أفرج عنهم بكفالة حتى المحاكمة".

وتنص المادة (230) على أن "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة كل من اعتدى على موظف أو أي مكلف بخدمة عامة أو مجلس أو هيئة رسمية أو محكمة قضائية أو إدارية أثناء تأدية واجباتهم أو بسبب ذلك".

"وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنتين إذا حصل مع الاعتداء والمقاومة جرح أو أذى، وتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على سبع سنوات أو الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات إذا وقع الجرح أو الأذى على قاض أو من هو بدرجة مدير عام فأكثر أثناء تأدية وظيفته أو بسببها"، وفق المادة نفسها.

وأكدت المحكمة: "انتهى ملف مقتل طارق بقال وصدرت أحكام الإعدام بحق الجناة، وصادقت محكمة الاستئناف في الإقليم على الحكم وأحيل إلى رئاسة الإقليم. تنفيذ الحكم ليس من اختصاصنا وهو من مسؤولية السلطة التنفيذية".

وأشار البيان إلى أن جلسة الاثنين الماضي "لم تكن متعلقة بالجناة، بل كانت محاكمة شخص اشترى سيارة المجني عليه من الجناة، وما زالت محاكمته جارية بتهمة حيازة الأموال المسروقة".

ومن داخل المحكمة، روى مصدر خاص تحفظ على اسمه، لـ"ارفع صوتك" تفاصيل ما جرى، بقوله إن "أخوات بقال بادرن بالاعتداء على الضابط وعناصر الشرطة داخل المحكمة، وهاجمن الضابط وجردنه من رتبته، ولم يقفن عند هذا، بل هاجمن عناصر الشرطة واعتدين عليهم بالضرب، الأمر الذي تسبب بتعرضهن للضرب، لكن رغم ذلك ما أقدم عليه الضابط وعناصر الشرطة من ضرب النساء أمر غير مقبول".

من جانبه، أعلن نائب رئيس حكومة إقليم كردستان قباد طالباني، عبر صفحته الرسمية في فيسبوك، أن "القوات الأمنية اعتقلت في الحال عناصر الشرطة وسيحالون للقانون لمعاقبتهم".

وقال إن عناصر الشرطة "تعاملوا بشكل غير مهني وغير إنساني داخل محكمة السليمانية مع عدد من المواطنين".

وتعتبر الحادثة حسب مراقبين للشأن الكردي، الأولى من نوعها.

وأصدر مجلس القضاء في إقليم كردستان، الثلاثاء الماضي، بيانا أوضح فيه: "بينما نعبر عن قلقنا إزاء هذا الحادث المؤسف وغير المرغوب فيه، قررنا تشكيل لجنة للتحقيق في كيفية وقوع الحادث وكشف الحقائق".

وسيتم إعلان النتائج لرأي العام بعد انتهاء التحقيق.

وكان المجني عليه طارق بقال البالغ من العمر  39 عاما، اختفى مساء 18 ديسمبر عام 2018 بعد إغلاق محل البقالة الذي يملكه في مدينة السليمانية،  وبعد أربعة أشهر اعتقلت قوات الأمن ثلاثة أشخاص اعترفوا بقتله وبيع سيارته لعصابة أخرى في وسط وجنوب العراق، وكشفوا للقوات الأمنية عن مكان إخفائهم جثة طارق.

وأصدرت محكمة استئناف السليمانية في سبتمبر 2019 حكم الإعدام على المتهمين الثلاثة حسب (المادة 406 من قانون العقوبات)، لكن العقوبة لم تطبق حتى الآن، حيث تنتظر وبحسب بيان المحكمة السلطة التنفيذية لاستكمال عدد من الإجراءات.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.