مشهد عام لمدينة سنجار شمال العراق
مشهد عام لمدينة سنجار شمال العراق- صورة أرشيفية

ينتظر الحراك الشبابي في قضاء سنجار شمال العراق، استجابة الحكومة لمطالبهم بإبعاد شبح الحرب والاقتتال الداخلي عن مدينتهم، وتعيين إدارة تمثل الأهالي لإعادة الحياة لسنجار.

ويواصل المئات غالبيتهم من الشباب وقفتهم الاحتجاجية، التي بدأت في أبريل الماضي، مطالبين بإنهاء تواجد الفصائل والقوات المسلحة في سنجار، الواقعة غرب الموصل، وتسليم ملفها الأمني للشرطة المحلية.

وذلك لتجنيبها المعارك التي تنشب كل فترة بين الجيش العراقي وقوات حماية سنجار الموالية لحزب العمال الكردستاني المعارض لتركيا، والغارات الجوية التركية التي تستهدف المدينة.

يقول الناشط خيري علي إبراهيم لـ"ارفع صوتك": "وقفتنا مستمرة ومطالبنا واضحة، وهي ضمان عدم تكرار الاشتباكات داخل المناطق المأهولة بالسكان، وإخراج كافة القوات المسلحة من داخل المدينة ومن كافة البلدات والقرى التابعة لها، والإبقاء فقط على قوات الأمن الداخلي المتمثلة بالشرطة المحلية والأمن الوطني والاستخبارات، وإيجاد حل لمشكلة الإدارة المزدوجة في سنجار، وتعيين إدارة جديدة مستقلة وتمثل أهالي سنجار".

وتشهد سنجار منذ أكتوبر 2017 تدهورا أمنيا ملحوظا بعد انسحاب قوات بيشمركة إقليم كردستان منها، إثر تدهور العلاقات بين بغداد وإقليم كردستان، عقب استفتاء الاستقلال.

وتسيطر منذ ذلك الحين إلى جانب قطعات من الجيش العراقي والشرطة الاتحادية فصائل مسلحة منها فصائل تابعة للحشد الشعبي ووحدات حماية سنجار الموالية للعمال الكردستاني وهي الأخرى متحالفة مع فصائل الحشد الشعبي. 

وقتل صبي يبلغ من العمر 12 عاما وجده، الأربعاء الماضي، في غارة جوية نفذتها طائرة تركية مسيرة، استهدفت مقر قوات الأسايش التابعة لوحدات حماية سنجار وسط الناحية. 

من جهته، يؤكد الناشط راكان حيدر وهو أحد منظمي الوقفة، لـ"ارفع صوتك"، تمسك أهالي سنجار بمطالبهم، داعياً الحكومة الاتحادية في بغداد إلى تقديم ضمانات حقيقية لاستقرار سنجار.

والتقى وفد من حراك سنجار الشبابي مكون من 19 ناشطا، مستشار رئيس الوزراء هشام داود، في بغداد الأسبوع الماضي، لتقديم مطالبهم بشكل رسمي، لكنهم لم يشهدوا حتى الآن أي تنفيذ لأي منها، بحسب حيدر.

ويوضح  رد داود، بقوله: "بالنسبة لمطلب ضمان عدم تكرار الاشتباكات في سنجار وأطرافها، أبلغنا أن الحكومة لا يمكنها أن تعطينا ضمانات حقيقية بألا تتكرر الاشتباكات، لكنه أكد أن الحكومة ستتخذ الإجراءات اللازمة ضد الفصائل الخارجة عن القانون في سنجار وأطرافها".

"وأعرب عن رفض الحكومة لمطلبنا الثاني المتمثل بإخراج الجيش من المناطق السكنية، وأشار إلى أن أعداد شرطة سنجار قليلة غير كافية لمسك الأرض وليس لدى عناصرها الخبرة الكافة لإدارة العمليات في المدينة، أما بالنسبة لمطلبنا المتعلق بإدارة المدينة، فأكد لنا داود أن الحكومة تعمل على هذا الموضوع وتسعى لتعيين إدارة جديدة رسمية للمدينة"، يتابع حيدر.

ويشير إلى أن "وفد الحراك  أبلغ داود أن الشخص الذي سيتولى إدارة  القضاء يجب أن يكون مستقلا وغير متورط بقضايا فساد وأن يكون من أهالي سنجار".

وتعاني سنجار من مشاكل إدارية عديدة، فهي واحدة من المناطق المتنازع عليها بين أربيل وبغداد التي خصهّا الدستور العراقي بالمادة (140)، وزادت هذه المشاكل من معاناة سكانها العائدين إليها من النزوح، الذين يضطرون إلى إجراء العديد من المعاملات لتسيير حياتهم اليومية بسبب ازدواجية الإدارة بين إقليم كردستان والحكومة الاتحادية والمواقع البديلة للدوائر الحكومية التي تؤثر سلبياً على حياة العائدين.

ورغم مرور نحو عامين على توقيع الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان اتفاقية سنجار لإدارة المدينة وتطبيع الأوضاع فيها، إلا أن الجانبين لم يتمكنا حتى الآن من تنفيذها بسبب سيطرة المليشيات الموالية لإيران وحزب العمال الكردستاني على المدينة.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.